يدفع الكفار عن هذه الطلبات الساقطة، والسؤالات الباردة. قال الزجاج: سألوه إسقاط ما فيه، من ذكر البعث والنشور. وقيل: سألوه أن يسقط ما فيه من عيب آلهتهم، وتسفيه أحلامهم. وقيل: سألوه أن يحول الوعيد وعدًا والحرام حلالًا، والحلال حرامًا. ثم أمره أن يؤكد ما أجاب به عليهم، من أنه ما صح ولا استقام أن يبدله، من تلقاء نفسه بقوله:{إِنْ أَتَّبِعُ}؛ أي: ما أتبع شيئًا من الأشياء {إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} في القرآن، أو في غيره من عند الله سبحانه وتعالى، من غير تبديل ولا تحريف ولا تصحيف، فقصر حاله - صلى الله عليه وسلم - على اتباع ما يوحى إليه؛ أي: ما علي إلا البلاغ، فإن بدل الله سبحانه منه شيئًا بنسخه، بلغت عنه ما أراد وإلا فلا. ثم أمره الله تعالى أن يقول لهم تكميلًا للجواب عليهم، وتعليلًا للسابق منه:{إِنِّي أَخَافُ}؛ أي: لأني أخاف {إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي} وخالفت ما أوحي إليّ بفعل ما تطلبون على تقدير إمكانه {عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}؛ أي: شديد عذابه، وهو يوم القيامة؛ أي إني أخاف إن فعلت أي عصيان، عذاب يوم عظيم الشأن، ألا وهو يوم القيامة، فكيف بي إذا عصيته، بتبديل كلامه اتباعًا لأهوائكم. ثم أكد الله سبحانه وتعالى كون هذا القرآن من عند الله تعالى، وأنه - صلى الله عليه وسلم - إنما يبلغ إليهم منه ما أمره الله بتبليغه، لا يقدر على غير ذلك فقال:
١٦ - {قُلْ} يا محمَّد، لهؤلاء الذين طلبوا منك تبديل القرآن وتغييره، إن هذا القرآن المتلو عليكم، هو بمشيئة الله تعالى وإرادته و {لَوْ شَاءَ اللَّهُ} سبحانه وتعالى عدم تلاوتي لهذا القرآن عليكم، بأن لم ينزله عليّ، ولم يأمرني بتلاوته عليكم {مَا تَلَوْتُهُ} وقرأته عليكم {وَلَا أَدْرَاكُمْ} الله سبحانه وتعالى {بِهِ}؛ أي: بهذا القرآن؛ أي: لو شاء الله ما تلوته عليكم، وما أعلمكم الله به بواسطتي، فالأمر كله منوط بمشيئة الله، ليس لي في ذلك شيء. وقوله:{وَلَا أَدْرَاكُمْ} معطوف على ما تلوته؛ أي: ولو شاء الله ما أدراكم بالقرآن؛ أي: ما أعلمكم به على لساني، يقال: دريت الشيء، وأدراني الله به؛ أي: علمته، وأعلمني الله به؛ أي: قل لهم (١) يا محمَّد: لو شاء الله أن لا أتلو عليكم هذا القرآن، ما تلوته عليكم، فإنما أتلوه عليكم بأمره، وتنفيذ