للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{وَإِنَّا}؛ أي: أنا ومن اتبعني، {أَوْ إِيَّاكُمْ} عطف على اسم إن، {لَعَلَى هُدًى} من الله تعالى، {أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}؛ أي: بيِّن واضح، معناه (١): ما نحن وأنتم علي أمر واحد، بل أحد الفريقين مهتدٍ، والآخر ضال، وهذا ليس على طريق الشك، بل على جهة الإلزام والإنصاف في الحجاج، كما يقول القائل: أحدنا كاذب، وهو يعلم أنه صادق، وصاحبه كاذب، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - ومن اتبعه على الهدى، ومن خالفه في ضلال، فكذبهم من غير أن يصرِّح بالتكذيب، ومنه بيت حسان يخاطب أبا سفيان بن حرب، وكان قد هجا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يسلم:

أَتَهْجُوْهُ وَلَسْتَ لَهُ بِكُفْءٍ ... فَشَرُّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الْفِدَاءُ

وقيل: إن {أَوْ} بمعنى: الواو، على طريق النشر واللف المرتب.

ومعنى الآية: إنا لعلى هدى، وإنكم لفي ضلال مبين، واختلاف الحرفين (٢)؛ لأن الهادي كمن صعد منارًا ينظر منه الأشياء، ويتطلع عليها، أو يركب جوادًا يركضه حيث يشاء، والضال كأنه منغمس في ظلام مرتبك فيه لا يرى شيئًا، ولا يدري أين يتوجه، أو متردٍّ في بئر عميق، لا يستطيع الخروج منها.

والمعنى (٣): أي أن أحد الفريقين من الذين يوحِّدون الله الخالق الرازق ويخصّونه بالعبادة، والذين يعبدون الجمادات التي لا تقدر على خلق ولا رزق ولا نفع ولا ضر، لعلى أحد الأمرين: من الهدى والضلالة، ومعلوم لكل عاقل أنَّ من عبد الذي يخلق ويرزق، وينفع ويضرّ، هو الذي على الهدى، ومن عبد الذي لا يقدر على خلق ولا رزق، ولا نفع ولا ضرّ، هو الذي على الضلالة، فقد تضمن هذا الكلام بيان فريق الهدى، وهم المسلمون، وفريق الضلالة، وهم المشركون، على وجه أبلغ من التصريح، وهو الإيماء، وأوصل بالمجادل إلى الغرض مع قلة شغب الخصم، وفَلِّ شَوْكَتهِ بالهويني.

٢٥ - ثم زاد في إنصافهم في المخاصمة، فأسند الإجرام إلى أنفسهم، والعمل للمخاطبين، فقال: {قُلْ} يا محمد لهؤلاء المشركين: أنتم {لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا


(١) الخازن.
(٢) البيضاوي.
(٣) الشوكاني.