أجنحتهن في الجو حين طيرانها تارة، وقابضات لها تارةً أخرى، وما يمسكهن في الجو حين الصف والقبض على خلاف مقتضى طبيعة الأجسام الثقيلة من النزول إلى الأرض والانجذاب إليها إلا واسع رحمة من برأهن على أشكال وخصائص هو العلم بها، وألهمهن حركات تساعد على الجري في الهواء، المسافات البعيدة لتحصيل أقواتهن والبحث عن أرزاقهن.
ثم بين علة هذا فقال:{إنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ} أي: إنه سبحانه عليم بدقيق الأشياء وجليلها، فيعلم كيف يبدع خلقها على السنن التي هو عليم بفائدتها لعباده.
والخلاصة: أنكم رأيتم بعض العجائب التي أبرزناها، والحِكَمِ التي أظهرناها؛ فهل أنتم آمنون أن ندبّر بحكمتنا عذابًا نصبه عليكم صبًّا؟ ولا معقّب لحكمنا ولا دافع لقضائنا.
٢٠ - {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ}{أَمَّنْ} أصله (١): {أمْ مَنْ} على أنّ {أمْ} منقطعة مقدرة بـ {بل} المفيدة للانتقال من توبيخهم على ترك التأمل فيما يشاهدونه من أحوال الطير المنبئة عن تعاجيب آثار قدرة الله إلى التبكيت بما ذكر. والالتفات فيه للتشديد في ذلك، والاستفهام متوجه لتبكيتهم بإظهار عجزهم عن تعيينه، ولا سبيل هنا إلى تقدير الهمزة مع بل؛ لأن ما بعدها (مَنْ) الاستفهامية، ولا يدخل الاستفهام على الاستفهام. و (مَن) مبتدأ، و {هذا} خبره، والموصول مع صلته صفته، وإيثار لفظ هذا لتحقير المشار إليه. و {يَنْصُرُكُمْ} صفة لجند باعتبار لفظه، و (الجند): جمع معد للحرب.
والمعنى: بل من هذا الحقير الذي هو في زعمكم جند لكم وعسكر وعون من آلهتكم وغيرها ينصركم عند نزول العذاب والآفات حال كونه {مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ} أي: متجاوزًا نصر الرحمن. فـ {مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ} حال من فاعل {يَنْصُرُكُمْ} و {دُونِ} بمعنى غير، أو ينصركم نصرًا كائنًا من دون نصره تعالى، على أنه نعت لمصدره. أو ينصركم من عذاب كائن من عند الله على أنّه متعلق بـ {يَنْصُرُكُمْ} وقد تجعل {مِنَ} موصولة مبتدأ، و {هَذَا} مبتدأ ثانيًا، والموصول مع صلته خبره، والجملة صلة