للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة الشعراء مَحْكِيًّا عنهم.

{وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا} باللهِ وحده، وصدَّقوا برسالتي عن مجلسي بسبب قولكم اطْرُدهم عنك نتبعك؛ أي: ليس من شأني، ولا بالذي يكون مني أن أبعد من يؤمن بي، وأنحيه عني احتقارًا له على أيِّ حال كانَتْ صفتُه، وفي هذا إيماءٌ إلى الجواب عن قولهم: {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا} وقد روي أنهم قالوا له: يا نوح! إن أحبَبْتَ أن نتبعك، فاطردْ هؤلاء، فإنَّا لن نَرْضَى أن نكون نحن وهم في الأمر سواءً، وقرىء {بطاردٍ} بالتنوين، قال الزمخشري: على الأصل، يعني أن اسمَ الفاعل إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال أصله: أن يَعْمَلَ، ولا يُضَافُ وهذا ظاهر كلام سيبويه، ذكره أبو حيان ثُمَّ علَّل الامتِناع من طردهم بقوله:

{إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ}؛ أي: إنَّ هؤلاء الذين تسألونَني طردَهم صائرون إلى ربهم، وهو سائلهم عمَّا كانوا يعملون في الدنيا, ولا يسألهم عن حَسَبهم وشَرَفهم؛ أي: إنهم فائِزون في الآخرة بلقاء الله تعالى، فإنْ طردتهم .. استَخْصَمُوني في الآخرة عنده، فأُعاقبُ على طَرْدِهِم.

والمعنى: لا أطردهم فإنَّهم ملاقونَ يومَ القيامة ربَّهم، فهو يجازيهم على إيمانهم, لأنهم طلبوا بإيمانهم ما عندَه سبحانه، وكأنَّه قال هذا على وَجْه الإعظام لَهم، ويحتمل أنَّه قاله خوفًا من مخاصمتهم له عند ربهم، بسببِ طرده لهم، ثمَّ بيَّنَ لهم ما هم عليه في هذه المطالب التي طَلَبُوها منه، والعلل التي اعتلُّوا بها عن إجابته، فقال {وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} كل ما ينبغي أن يُعْلَمَ، ومن ذلك استرذالُهم للذين اتبعوه، وسؤالُهُم له أن يطردَهم، أي: تجهلون ما يَمْتَازُ به البشر بعضُهم عن بعض من اتباع الحقِّ، والتَحلِّي بالفضائل، وعملِ البر، والخير، وتظنون أنَّ الميزةَ إنما تكون بالمال والجاه.

وقد جاءَ هذا المعنى في قصته من سورة الشعراء: {قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (١١١) قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١١٢) إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (١١٣) وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (١١٤) إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (١١٥)}.

٣٠ - ثم أكد عدمَ جوازِ طردِهم