للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أن كل الخلائق {لَا يُظْلَمُونَ} في جزاء أعمالهم؛ أي: لا ينقصون أجورهم، ولا يعاقبون بغير موجب، ولا يزاد في عقابهم على ذنوبهم.

أي وتعطى (١) كل نفس جزاء ما عملت في الدنيا من طاعة أو معصية، فيجزى المحسن بما قدَّم من إحسان، والمسيء بما أسلف من إساءة، ولا يعاقب محسن ولا يثاب مسيء.

والخلاصة: أن كل إنسان يجادل عن ذاته لا يهمه شأن غيره، كما قال: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}، وعن ابن عباس (٢) - رضي الله عنهما -: ما تزال الخصومة بين الناس يوم القيامة حتى يخاصم الروح الجسد، يقول الروح: يا رب لم يكن لي يد أبطش بها، ولا رجل أمشي بها، ولا عين أبصر بها، ويقول الجسد خلقتني كالخشب، ليست لي يد أبطش بها، ولا رجل أمشي بها، ولا عين أبصر بها، فجاء هذا كشعاع النور فيه نطق لساني وأبصرت عيني ومشت رجلي، قال: فيضرب لهما مثلًا، مثل أعمى ومقعد دخلا حائطًا وفيه ثمارٌ، فالأعمى لا يبصر الثمار، والمقعد لا ينالها، فحمل الأعمى المقعد فأصابا من الثمر، فعليهما العذاب، كذا في "تفسير السمرقندي".

١١٢ - وقوله: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً} ضرب إما مضمن (٣) معنى جعل، فتكون {قَرْيَةً} مفعوله الأول و {مَثَلًا} مفعوله الثاني، وإنما تأخرت قرية لئلا يقع الفصل بينها وبين صفاتها، ويجوز أن يكون {وَضَرَبَ} على بابه غير مضمن، ويكون {مَثَلًا} مفعوله، و {قَرْيَةً} بدلًا منه، وقد اختلف المفسرون هل المراد بهذه القرية قرية معينة، كما قيل إنها أيلة: بلدة بين ينبع ومصر كما في "الكواشي"، أو المراد قرية غير معينة، بل كل قوم أنعم الله عليهم فأبطرتهم النعمة، فذهب الأكثر إلى الأول وصرحوا بأنها مكة، وذلك لما دعا عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: "اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) الشوكاني.