كسني يوسف"، فابتلوا بالقحط حتى أكلوا العظام، والثاني أرجح لأن تنكير قرية يفيد ذلك، ومكة تدخل في هذا العموم البدلي دخولًا أوليًّا، وأيضًا يكون الوعيد أبلغ، والمثل أكمل، وغير مكة مثلها، وعلى فرض إرادتها ففي المثل إنذار لغيرها عن مثل عاقبتها.
أي: وجعل الله سبحانه وتعالى قرية {كَانَتْ آمِنَةً}؛ أي: ذات (١) أمن من كل مخوف {مُطْمَئِنَّةً}؛ أي: متوطنة، لا ينتقلون عنها إلى غيرها لحسنها وبهائها، وجملة {كَانَتْ} صفة أولى لقرية؛ أي: جعل سبحانه أهل هذه القرية مثلًا لأهل مكة خاصةً، أو لكل قوم أنعم الله عليهم فأبطرتهم النعمة، ففعلوا ما فعلوا، فبدل بنعمتهم نقمةً، ودخل فيهم أهل مكة دخولًا أوليًّا، وجملة قوله:{يَأْتِيهَا رِزْقُهَا} صفة ثانية لقرية، وتغير سبكها عن الصفة الأولى لما أن إتيان رزقها متجدد، وكونها آمنة مطمئنة ثابت مستمرٌ؛ أي: يأتيها زرق أهلها وأقواتهم حالة كونه: {رَغَدًا}؛ أي: واسعًا {مِنْ كُلِّ مَكَانٍ} من نواحيها من البر والبحر متعلق بيأتي، {فَكَفَرَتْ}؛ أي: كفر أهل تلك القرية {بِأَنْعُمِ اللَّهِ} سبحانه؛ أي: بنعمه جمع نعمة، على ترك الاعتداد بالتاء، كدرع وأدرع، والمراد بها نعمة الرزق والأمن المستمر، وإيثار جمع القلة للإيذان بأن كفران نعمة قليلة حيث أوجب هذا العذاب، فما ظنك بكفران نعم كثيرة، روي أن أهل أيلة كانوا يستنجون بالخبز كما في "الكواشي"، قال بعضهم: الخبز هو الأصل بين النعم الإلهية، ولذا أمر آدم عليه السلام الذي هو أصل البشر بالحراثة، فمن كفر به .. فقد كفر بجميع النعم وتعرض لزوالها.
{فَأَذَاقَهَا اللَّهُ} سبحانه وتعالى؛ أي: أذاق أهلها، وأصل الذوق بالفم ثم استعير فوضع موضع الابتلاء والاختبار كما في "تفسير أبي الليث" {لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ}؛ أي: أذاقها الجوع والخوف، المشبهين باللباس بجامع الاشتمال في كل، حتى أكلوا ما تغوطوه، لأن الجزاء من جنس العمل، قال في "الأسئلة