للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بالفتح، وهي لغة الحجاز، وقرأ الحرميان نافع وابن كثير، والعربيان أبو عمرو وابن عامر، والحسن والأعرج ومجاهد وشيبة وشبل ومزاحم الخراساني والعطاردي وابن سيرين: {لَا يَهْدِي} مبنيًّا للمفعول، ومن مفعول لم يسم فاعله، والفاعل في {يُضِلُّ} ضمير الله، والعائد على مَنْ محذوف، تقديره: من يضله الله، وقرأ الكوفيون وابن مسعود وابن المسيب وجماعة: {يَهْدي} مبنيًّا للفاعل، والظاهر أن في يهدي ضميرًا يعود على الله ومن مفعول، وعلى ما حكى الفراء: إن هدى يأتي بمعنى اهتدى، يكون لازمًا، والفاعل من؛ أي: لا يهتدي من يضله، وقرأت فرقة منهم عبد الله: {لا يهدي} بفتح الياء وكسر الهاء والدال، قال ابن عطية: وهي ضعيفة، انتهى.

وإذا ثبت أن هدى لازم بمعنى اهتدى .. لم تكن ضعيفةً؛ لأنه أدخل على اللازم همزة التعدية، فالمعنى لا يجعل مهتديًا من أصله، وفي مصحف أبي: {لا هادي لمن أضلَّ}، وقال الزمخشري: وفي قراءة أبيٍّ فإن الله لا هادي لمن يضل، ولمن أضل، وقرىء يضل بفتح الياء.

٣٨ - ثم ذكر عناد قريش وإنكارهم للبعث فقال: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ}؛ أي: حلف الذين أشركوا {جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ}؛ أي: غاية أيمانهم، وإذا حلف الرجل بالله .. فقد حلف جهد يمينه، فإن الكفار كانوا يحلفون بآبائهم وآلهتهم، فإذا كان الأمر عظيمًا .. حلفوا باللهِ تعالى، وهذا عطف على قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا} إعلامًا بأنهم كما أنكروا التوحيد أنكروا البعث وقوله: {جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} مصدر في موضع الحال وقوله: {لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ} من عباده مقسم عليه؛ أي: حلف (١) هؤلاء المشركون بالله حالة كونهم جاهدين ومبالغين في أيمانهم، حتى بلغوا غاية شدتها ووكادتها، قائلين: لا يبعث الله يوم القيامة من يموت من عباده، فإنهم يجدون في تقولهم أن الشيء إذا صار عدمًا محضًا لا يعود بعينه، بل العائد يكون شيئًا آخر، ولقد رد الله تعالى عليهم أبلغ ردّ بقوله: {بَلَى} إثباتٌ


(١) روح البيان.