الملائكة، كما أبعد من جعل إن بمعنى إذ، فأخرجها عن الشرطية إلى الظرفية.
وإذا التقت همزتان مكسورتان من كلمتين نحو:{هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} فورش، وقنبل، يبدلان الثانية ياء ممدودة، إلا أن ورشا في {هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ} و {عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ} أبدل الهمزة الثانية ياء خفيفة الكسر، أي: مختلة الكسر، وقالون، والبزي، يسهّلان الأولى، ويحققان الثانية. ذكره في «البحر».
ويقال: هذه الآية دليل (١) على أن أولى الأشياء بعد علم التوحيد، تعلم علم اللغة؛ لأنه تعالى أراهم فضل آدم بعلم اللغة، ودلت أيضا: أن المدعي يطالب بالحجة، فإن الملائكة ادعوا الفضل، فطولبوا بالبرهان، وبحثوا عن الغيب، فقرعوا بالعيان؛ أي: لا تعلمون أسماء ما تعاينون، فكيف تتكلمون في فساد من لا تعاينون. فيا أرباب الدعاوي! أين المعاني؟ ويا أرباب المعرفة! أين المحبة؟ ويا أرباب المحبة! أين الطاعة؟ قال أبو بكر الواسطي: من المحال أن يعرفه العبد، ثم لا يحبه، ومن المحال أن يحبه، ثم لا يذكره، ومن المحال أن يذكره، ثم لا يجد حلاوة ذكره، ومن المحال أن يجد حلاوة ذكره، ثم يشتغل بغيره. قال أبو عثمان المغربي: ما بلاء الخلق إلا الدعاوي، ألا ترى أن الملائكة لمّا قالوا:{وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} كيف ردوا إلى الجهل حتى قالوا: {لا علم لنا} ذكره في «البحر».
٣٢ - وقوله:{قالُوا} استئناف واقع في جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: فماذا قالوا حينئذ؟ هل خرجوا عن عهدة ما كلفوه أولا؟ فقيل: قالوا؛ أي: قالت الملائكة اعترافا لعجزهم وقصورهم {سُبْحانَكَ}؛ أي: تنزيها لك عن الاعتراض عليك في حكمك، وتبنا إليك من ذلك القول، أو نسبّحك عما لا يليق بشأنك الأقدس، من الأمور التي من جملتها خلوّ أفعالك عن الحكم والمصالح، وهي كلمة تقدّم على التوبة. قال موسى عليه السلام:{سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ} وقال يونس عليه السلام: {سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} وسبحان: اسم واقع