للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تروّ أو فكر، وذلك أجدر بعدم الإجابة {أَنْبِئُونِي}، أي: أخبروني {بِأَسْماءِ هؤُلاءِ} المسميات فردا فردا، أو بأسماء هؤلاء الموجودات، كما في «الروح».

وقرأ الأعمش (١): {نبّوني} بغير همز. وقد استدل بقوله: {أَنْبِئُونِي} على جواز تكليف ما لا يطاق، وهو استدلال ضعيف؛ لأنه على سبيل التبكيت، ويدل عليه قوله: {إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} وظاهر قوله: {هؤُلاءِ} حضور أشخاص من الموجودات حالة العرض على الملائكة، ومن قال إن المعروض إنما هي أسماء فقط، جعل الإشارة إلى أشخاص الأسماء وهي غائبة، إذ قد حضر ما هو منها سبب، وذلك أسماؤها، وكأنه قال لهم في كل اسم: لأيّ شخص هذا الاسم؟

وهذا فيه بعد وتكلّف، وخروج عن الظاهر بغير داعية إلى ذلك.

{إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} في زعمكم أنكم أحقاء بالخلافة ممن استخلفته، كما ينبىء عنه مقالكم، وهذا شرط (٢) جوابه محذوف، تقديره: فأنبئوني يدل عليه أنبئوني السابق، ولا يكون أنبئوني السابق هو الجواب. هذا مذهب سيبويه، وجمهور البصريين، وخالف الكوفيون، وأبو زيد، وأبو العباس، فزعموا: أن جواب الشرط هو المتقدم في نحو هذه المسألة، والصدق هنا هو الصواب، أي: إن كنتم مصيبين، كما يطلق الكذب على الخطأ، كذلك يطلق الصدق على الصواب، ومتعلق الصدق فيه أقوال: إن كنتم صادقين في أني لا أخلق خلقا إلا كنتم أعلم منه؛ لأنه هجس في أنفسهم أنهم أعلم من غيرهم، أو فيما زعمتم أن خلفائي يفسدون في الأرض، أو فيما وقع في نفوسكم أني لا أخلق خلقا إلا كنتم أفضل منه، أو بأمور من أستخلفهم بعدكم، أو إني إن استخلفتكم فيها سبحتموني وقدستموني، وإن استخلفت غيركم عصاني، أو في قولكم: إنه لا شيء مما يتعبد به الخلق، إلا وأنتم تصلحون له وتقومون به. قاله ابن مسعود، وابن عباس، أو في ذلك الإنباء، وجواب السؤال بالأسماء.

وأبعد من ذهب إلى أن الصدق هنا ضد الكذب المتعارف؛ لعصمة


(١) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.