للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقرأ أبي (١): {ثمّ عرضها على الملائكة} وقرأ عبد الله {ثم عرضهنّ} والضمير عائد على الأسماء فتكون هي المعروضة، أو يكون التقدير مسمياتها، فيكون المعروض المسميات لا الأسماء، كما مرّ. وقوله: {عَلَى الْمَلائِكَةِ} ظاهرة العموم، فقيل: هو المراد، وقيل: الملائكة الذين كانوا مع إبليس في الأرض. والحاصل: أن الله سبحانه وتعالى علم (٢) آدم الأجناس التي خلقها، وألهمه معرفة ذواتها، وخواصّها، وصفاتها، وأسمائها ولا فارق بين أن يكون هذا العلم في آن واحد، أو آنات متعددة، فالله قادر على كل شيء. وإن كان لفظ علّم يشعر بالتدريج، كما يشهد له نظائره من نحو: {وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} و {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (٤٨)} إلى نحو ذلك من الآيات التي فيها لفظ التعليم. لكن المتبادر هنا أنه كان دفعة واحدة.

{ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ}؛ أي: ثم أطلع الملائكة على مجموعة تلك الأشياء إطلاعا إجماليا بالإلهام، أو غيره، مما يليق بحالهم، وربما كان بعرض نماذج من كل نوع يتعرف منها أحوال البقية وأحكامها، كما مرّ. وتقدم لك أن الحكمة في التعليم والعرض؛ تشريف آدم واصطفاؤه، كي لا يكون للملائكة مفخرة عليه بعلومهم ومعارفهم؛ وإظهار الأسرار والعلوم المكنونة في غيب علمه تعالى على لسان من يشاء من عباده.

{فَقالَ} الله سبحانه وتعالى للملائكة تبكيتا وتعجيزا لهم، وخطاب (٣) التعجيز جائز، وهو الأمر بإتيان الشيء، ولم يكن إتيانه مرادا ليظهر عجز المخاطب، وإن كان ذلك محالا، كالأمر بإحياء الصورة التي يفعلها المصورون يوم القيامة، ليظهر عجزهم ويحصل لهم الندم، ولا ينفعهم الندم. والفاء (٤) في قوله: {فَقالَ} للتعقيب؛ أي: ولم يتخلل بين العرض والأمر مهلة بحيث يقع فيها


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.
(٤) البحر المحيط.