شبهة في أن من يجمعون بين السعادتين يكون فضل الله عليهم أعظم؛ إذ هم أعطوا حقها من الشكر، وقاموا بما يجب عليهم نحو خالقهم من طاعته وترك معصيته.
روى الشيخان عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال فقراء المهاجرين للنبي - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله، ذهب أهل الدثور - واحدها دثر بالفتح المال الكثير - بالدرجات العلى، والنعيم المقيم قال:"ما ذاك"؟ قالوا: يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون كما نتصدق، ويعتقون ولا نعتق. قال - صلى الله عليه وسلم -: "أفلا أعلمكم شيئًا تدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثلكم"؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال:"تسبحون وتكبرون وتحمدون الله دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين مرة"، قال أبو صالح: فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا، ففعلوا مثله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء".
٥٨ - {وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ} إلى مصر من أرض كنعان؛ ليمتاروا حين أصاب أرض كنعان وبلاد الشام ما أصاب مصر من القحط والجوع، وكان قد حلّ بآل يعقوب ما حلّ بأهلها، فدعا أبناءه ما عدا بنيامين؛ وهم عشرة، فقال لهم: يا بني قد بلغني أن بمصر ملكًا صالحًا يبيع الطعام، فتجهزوا إليه، واقصدوه واشتروا منه ما تحتاجون إليه، فخرجوا حتى قدموا مصر {فَدَخَلُوا عَلَيْهِ}؛ أي: على يوسف، وهو في مجلس ولايته؛ لأن أمر الميرة وشراء الغلال كان بيده ورهن أمره {فَعَرَفَهُمْ} يوسف حين دخلوا عليه بلا تردد، ولا شك؛ لأنه فارقهم وهم رجال، ولم يزل عددهم وشكلهم وزيهم عالقًا بخياله؛ لنشوئه بينهم، ولا سيما ما قاساه منهم في آخر عهده بهم وربما كان عمال يوسف عليه السلام وعبيده قد سألوهم عن أمرهم قبل أن يدخلوهم عليه، وأخبروه بأوصافهم، والبيئة التي رحلوا منها {وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ}، لنسيانهم له بطول العهد، وتغير شكله بدخوله في سن الكهولة، ولأنهم فارقوه صبيًّا يباع بالدراهم في أيدي السيارة بعد أن أخرجوه من الجبّ، ودخلوا عليه الآن، وهو رجل عليه أبهة الملك؛ أي: عظمته ورونق