للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفي هذه الآية أيضًا تسليةٌ لأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - على ما جرى لهم في غزوة أحد، وحينئذ فلا عجب في أن ينهزم المسلمون في وقعة أحد، وأن يصل المشركون إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فيشجوا رأسه، ويكسروا سنه، ويردوه في حفرةٍ. وفيها أيضًا دلالةٌ (١) على جواز السفر في فجاج الأرض للاعتبار، ونظر ما حوت من عجائب مخلوقات الله تعالى، وزيارة الصالحين، وزيارة الأماكن المعظمة، كما يفعله سياح هذه الأمة. وجواز النظر في كتب المؤرخين, لأنها سبيل إلى معرفة سير العالم، وما جرى عليهم من المثلات. والأمر في قوله: {فَسِيرُوا} أمر ندب لا وجوب، بل المقصود تعرف أحوال الماضين. وفي هذه الآية دلالةٌ على أن الاشتغال بعلم التواريخ مندوب ندبًا كفائيًّا، أو عينيًّا كما مرت الإشارة إليه.

١٣٨ - {هَذَا} القرآن الذي أنزل عليك يا محمد، وقيل: اسم الإشارة عائد إلى ما تقدم من أمره، ونهيه، ووعده، ووعيده {بَيَانٌ} وإيضاحٌ لأحكام الدين {لِلنَّاسِ} عامة أي: مبينٌ لهم لأحكام دينهم من الحلال، والحرام، وغيرهما. {وَهُدًى} للمتقين منهم خاصة ورشاد لهم؛ أي: هادٍ لهم من الضلالة إلى طريق الرشاد {وَمَوْعِظَةٌ} ونصيحةٌ {لِلْمُتَّقِينَ} الله خاصة بامتثال الأوامر واجتناب النواهي، أي واعظٌ وزاجرٌ لهم عن المنهيات والمنكرات. وقيل (٢): في الفرق بين البيان، والهدي، والموعظة؛ لأن العطف يقتضي المغايرة. إن البيان هو الدلالة التي تفيد إزالة الشبهة بعد أن كانت حاصلةً. والهدي هو: طريق الرشد المأمور بسلوكه دون طريق الغيّ. والموعظة هي: الكلام الذي يفيد الزجر عما لا ينبغي في طريق الدين.

فالحاصل: أن البيان جنس تحته نوعان:

أحدهما: الكلام الهادي إلى ما ينبغي في الدين، وهو الهدى.

والثاني: الكلام الزاجر عما لا ينبغي في الدين، وهو الموعظة. وإنما خص المتقين بالهدى والموعظة؛ لأنهم المنتفعون بهما دون غيرهم.


(١) البحر المحيط.
(٢) الخازن.