لإهلاكهم، فإن أردتم معرفة ذلك فامشوا أيها المؤمنون في نواحي الأرض وأرجائها، ثم انظروا، وتأملوا كيف صار آخر أمر المكذبين بالرسل الذين لم يتوبوا من تكذيبهم. وفي الآية (١) دلالةٌ على أهمية علم التاريخ, لأن فيه فائدة السير في الأرض، وهي معرفة أخبار الأوائل وأسباب صلاح الأمم وفسادها. قال ابن عرفة: السير في الأرض حسي ومعنوي. والمعنوي هو النظر في كتب التاريخ بحيث يحصل للناظر العلم بأحوال الأمم، وما يقرب من العلم، وقد يحصل به من العلم ما لا يحصل بالسير في الأرض، لعجز الإنسان وقصوره. وإنما أمر الله بالسير في الأرض دون مطالعة الكتب؛ لأن في المخاطبين من كانوا أميين، ولأن المشاهدة تفيد من لم يقرأ، علمًا، وتقوي علم من قرأ التاريخ, أو قص عليه.
والمعنى: فسيروا في الأرض، وتأملوا فيما حل بالأمم قبلكم؛ ليحصل لكم العلم الصحيح المبني على المشاهدة وتسترشدوا بذلك إلى أن المصارعة قد وقعت بين الحق والباطل في الأمم السالفة وانتهى أمرها إلى غلبة أهل الحق لأهل الباطل، وانتصارهم عليهم ما تمسكوا بالصبر والتقوى. والسير في الأرض والبحث عن أحوال الماضين وتعرف ما حل بهم نعم العون على معرفة تلك السنن والاعتبار بها. وقد نستفيد هذه الفائدة بالنظر في كتب التاريخ التي دونها من ساروا في الأرض، ورأوا آثار الذين خلوا، فتحصل لنا العظة والعبرة، ولكنها تكون دون اعتبار الذين يسيرون في الأرض بأنفهسم، ويرون الآثار بأعينهم, لأن النظر إلى آثار المتقدمين له أثرٌ في النفس كما قيل:
إِنَّ آثَارَنَا تَدُلُّ عَلَيْنَا ... فَانْظُرُوْا بَعْدَنَا إلى اْلآثَارِ
والحاصل: أنه تعالى رغب أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - في تأمل أحوال الأمم الماضية ليصير ذلك داعيًا لهم إلى الإيمان بالله ورسوله، والإعراض عن الدنيا ولذاتها. وفيه أيضًا زجر للكافر عن كفره؛ لأنه إذا تأمل في أحوال الكفار الماضين، وإهلاكهم صار ذلك داعيًا له إلى الإيمان.