للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأكُلُوا الرِّبَا} إلى قوله: {قَدْ خَلَتْ} اعتراضٌ في خلال القصة.

أيْ: قد (١) مضت من قبل زمانكم أيها المؤمنون سنن الله تعالى وعاداته في الأمم الماضية المكذِّبة لرسلهم بإهلاكهم، واستئصالهم لأجل مخالفتهم الرسل، إن لم يتوبوا، وبالمغفرة إن تابوا، فرغب الله تعالى أمة محمَّد - صلى الله عليه وسلم - في تأمل أحوال هؤلاء الماضين؛ ليصير ذلك داعيًا لهم إلى الإيمان بالله ورسله، والإعراض عن الرياسة في الدنيا، وطلب الجاه.

والخلاصة: أن النظر في أحوال من تقدمكم من الصالحين والمكذبين يهديكم إلى الطريق المستقيم، فإن أنتم سلكتم سبيل الصالحين، فعاقبتكم كعاقبتهم، وإن سلكتم سبيل المكذبين، فحالكم كحالهم. وفي الآية تذكير لمن خالف أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد، وإرشادٌ لهم إلى أنهم بين عاملي خوف ورجاءٍ، فهي على أنها بشارةٌ لهم بالنصر على عدوهم إنذار بسوء العاقبة إذ هم حادوا عن سننه، وساروا في طريق الضالين ممن قبلهم. وعلى الجملة، فالآية خبر وتشريع، وتتضمن وعدًا ووعيدًا وأمرًا ونهيًا.

والمسلمون الصادقون أولى الناس بمعرفة تلك السنن في الأمم، وأجدر الناس بأن يسيروا على هديها. لذلك لم يلبث أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ثابوا إلى رشدهم يومئذٍ، ورجعوا إلى الدِّفاع عن نبيهم، وثبتوا حتى انجلى المشركون عنهم، ولم ينالوا ما كانوا يقصدون.

وقد جرت سنة الله بأن للمشاهدة في تثبيت الحقائق ما ليس للقول وحده؛ إذ المقول قد ينسى، ويقل الاعتبار به من قبل هذا، أرشدهم إلى الاعتبار، وقياس ما في أنفسهم على ما كان لدى غيرهم من قبلهم، ومن ثم قال: {فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}.

ومعنى الآية: قد مضت وسلفت مني سنن فيمن كان قبلكم من الأمم الماضية الكافرة بإمهالي، واستدراجي إياهم حتى يبلغ الكتاب أجله الذي أجلته


(١) مراح.