للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ليست للتبعيض؛ لأنها لو كانت للتبعيض لنقص عن الأتباع بعض الأوزار، وذلك غير جائز لقوله عليه الصلاة والسلام: "لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا"، ولكنها للجنس؛ أي: وليحملوا من جنس أوزار الأتباع.

وقوله: {بِغَيْرِ عِلْمٍ} حال من الفاعل؛ أي: يضلونهم غير عالمين بأن ما يدعون إليه طريق الضلال، وبما يستحقونه من العذاب الشديد في مقابلة الإضلال، أو من المفعول؛ أي: يضلون من لا يعلم أنهم ضلالٌ.

وفائدة (١) التقييد بهذا الإشعار بأن مكرهم لا يروج عند ذوي لب، وإنما يتبعهم الأغبياء، والتنبيه على أن جهلهم ذلك لا يكون عذرًا، إذ كان يجب عليهم أن يبحثوا ويميزوا بين المحق الحقيق بالاتباع وبين المبطل، {أَلَا} حرف تنبيه {سَاءَ} من أفعال الذم بمعنى بئس، والضمير الذي فيه يجب أن يكون مبهمًا يفسره {مَا يَزِرُونَ} والمخصوص بالذم محذوف؛ أي: بئس شيئًا يزرونه؛ أي: يحملونه، والمخصوص بالذم فعلهم ففيه وعيدٌ وتهديد لهم.

واعلم: أنه لا يحمل أحدٌ وزر أحد، إذ كل نفس تحمل ما اكتسب هي، لا ما كسبت غيرها، إذ ليس ذلك من مقتضى الحكمة الإلهية، وأما حمل وزر الإضلال فهو حمل وزر نفس؛ لأنه مضاف إليه لا إلى غيره، فعلى العاقل أن يجتنب من الضلال والإضلال في أمور الشريعة، فمن حمل القرآن على الأساطير، ودعا الناس إلى القول بها، فقد ضل وأضل، وكذا في جميع أمور الشريعة.

٢٦ - ثم بين لهم أن غائلة مكرهم عائدةٌ إليهم، ووبال ذلك لاحقٌ بهم، كدأب من قبلهم من الأمم الخالية الذين أصابهم من العذاب ما أصابهم بتكذيبهم لرسلهم، فقال: {قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}؛ أي: من قبل كفار قريش، والمكر الخديعة؛ أي: قد مكر أهل مكة بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، كما مكر الذين من قبلهم بأنبيائهم، وصار المكر سببًا لهلاكهم لا لهلاك غيرهم؛ لأن من حفر لأخيه جبًّا وقع فيه منكبًا، وفي هذا وعيد للكفار المعاصرين له - صلى الله عليه وسلم -، بأن مكرهم سيعود


(١) روح البيان.