للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الوجوه، قيل: هذه الآية محكمة؛ لأن المداراة محثوث عليها ما لم تؤد إلى وهن في الدين، أو نقصان في المروءة {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ} ويذكرون؛ أي: بما (١) يصفونك به على خلاف ما أنت عليه، كالسحر والشعر والجنون، والوصف: ذكر الشيء بحليته ونعته، فقد يكون حقًّا، وقد يكون باطلًا، وفيه وعيد لهم بالجزاء والعقوبة، وتسلية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإرشاد له إلى تفويض أمره إليه تعالى.

والخلاصة: أي ادفع (٢) الأذى عنه، بالخصلة التي هي أحسن بالإغضاء والصفح عن جهلهم والصبر على أذاهم وتكذيبهم بما أتيتهم به من عند ربك، ونحن أعلم بما يصفوننا به، وينحلونه إيانا من الاختلاق والأكاذيب، وبما يقولون فيك من السوء، وهجر القول، ومجازوهم على ما يقولون فلا يحزنك ذلك، واصبر صبرًا جميلًا.

ونحو الآية قوله: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}. روي عن أن - رضي الله عنه - أنه قال في الآية: يقول الرجل لأخيه: ما ليس فيه، فيقول له: إن كنت كاذبًا، فإني أسأل الله أن يغفر لك، وإن كنت صادقًا، فإني أسأل الله أن يغفر لى.

٩٧ - ولما أدب الله سبحانه رسوله أن يدفع بالحسن .. أمره أن يستعيذ من نخسات الشياطين، فقال: {وَقُلْ} يا محمد يا {رَبِّ أَعُوذُ بِك} والتجأ إليك. والعوذ: الالتجاء إلى الغير، والتعلق به، {مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ}؛ أي: وساوسهم المغرية على خلاف ما أمرت به، من المحاسن التي من جملتها، دفع السيئة بالحسنة، وهمزات الشياطين: نزعاتهم ووساوسهم، كما قاله المفسرون. والجمع فيه باعتبار المرات، أو لتنوع الوساوس، أو لتعدد المضاف إليه. ومن همزات. الشيطان سورات الغضب التي لا يملك الإنسان فيها نفسه، وفيه إرشاد لهذه الأمة إلى التعوذ من الشيطان.

قال الزمخشري: فإن قلت: كيف يجوز أن يجعل نبيه المعصوم مع


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.