سبحانه، أي: سوى الله، وهو في حيِّز النصب على الحالية من الوليِّ؛ لأنّه في الأصل صفةٌ له، فلمّا قدِّم انتصب حالًا {مِن} زائدة للاستغراق {وَلِيٍّ}؛ أي: قريبٌ وصديقٌ يلي أمركم، وقيل: والٍ، وهو القيِّم بالأمور {وَلَا نَصِيرٍ}؛ أي: معينٌ ومانع ينصركم على أعدائكم؛ أي: ناصركم ومعينكم هو الله وحده، فلا تبالوا بمن ينكر النسخ، أو يعيِّبكم به، وليس في استطاعته أن يلحق بكم أذًى، والفَرْقُ بين الولي والنصير: أنَّ الولي قد يضعف عن النصرة، والنصير قد يكون أجنبيًّا عن المنصور، فبينهما عموم وخصوص من وجهٍ، والمقصود: التسكين لقلوب المؤمنين، بأنَّ الله وليُّهم، وناصرهم دون غيره، فلا يجوز الاعتماد إلّا عليه ولا يصحُّ الالتجاء إلّا إليه.
والمعنى: إن قضية العلم بما ذكر من الأمور الثلاثة وهو العلم بـ {أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} والعلمُ بـ {أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} والعلمُ بأنْ {وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} هو الجَزْمُ والإيقان، بأنّه تعالى لا يفعل بهم في أمرٍ من أمور دينهم، أو دنياهم إلّا ما هو خيرٌ لهم، والعمل بموجبه شيءٌ من الثقة والتوكّل عليه، وتفويض الأمر إليه من غير إصغاءٍ إلى أقاويلِ الكفرة، وتشكيكاتهم التي هي من جملتها ما قالوا في أمر النسخ. وقيل: المعنى: {وَمَا لَكُمْ} يا معشر اليهود والكفار! عند نزول العذاب {مِنْ دُونِ اللهِ}؛ أي: ممَّا سوى الله {مِنْ وَلِيٍّ}؛ أي: قريبٍ وصديقٍ يحميكم من عذاب الله، وقيل: والٍ يلي أمركم ويقوم به {وَلَا نَصِيرٍ}؛ أي: ولا ناصر يمنعكم من عذاب الله، وإنما هو الذي يملك أموركم، ويجريها على ما يصلح لكم، وفي هذا تحذيرٌ من عذاب الله، إذ لا مانع منه.
ولمَّا قالت اليهود: يا محمد! ائتنا بكتابٍ من السماء جملةً، كما أتى موسى بالتوراة، نزل قوله تعالى:
١٠٨ - {أَمْ تُرِيدُونَ} وأمْ هنا (١) منقطعةٌ تقدَّر ببل والهمزة، ويكون إضراب انتقال من قصّةٍ إلى أخرى، لا إضراب إبطالٍ،