للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قديرًا على كُلِّ شيء. وفي هذه الجملة تنبيهٌ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وغيره، على قدرته تعالى، وأنّه القادر المتصرِّف في شؤون الخلق، يحكم بما شاء، ويأمر بما شاء، وأنّه لا دافع لما أراد، ولا مانع لما اختار. ثُم أقام دليلًا آخر، فقال: {أَلَمْ تَعْلَمْ} يا محمد! الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم -، والمراد: هو وأمّته، بدليل قوله: {وَمَا لَكُمْ} وإنّما أفرده هنا؛ لأنّه أعلمهم، ومبدأ علمهم ومأخذه. قال بعضهم: وإنّما (١) خصَّه - صلى الله عليه وسلم - بالخطاب، مع أنَّ غيره داخلٌ في الخطاب أيضًا حقيقةً، بناءً على أنَّ المقصود من الخطاب تقرير علم المخاطب بما ذكر، ولا أحد من البشر أعلم بذلك منه - صلى الله عليه وسلم -، إذ قد وقف من أسرار ملكوت السموات والأرض، على ما لا يطَّلع عليه غيره، وعِلْمُ غيره بالنسبة إلى علمه - صلى الله عليه وسلم -، مُلْحَقٌ بالعلم؛ لأنّ علم الأولياء من علم الأنبياء، بمنزلة قطرةٍ من سبعة أبحر، وعلم الأنبياء من علم نبيّنا محمد - صلى الله عليه وسلم - بهذه المنزلة، وعلم نبينا من علم الحقّ سبحانه بهذه المنزلة. انتهى.

{أَنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {لَهُ} لا لغيره {مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} وما فيهما، وما بينهما، أي: سلطنتهما، فهو المتصرِّف فيهما دون غيره، يحكم فيهما، وفيما فيهما بما شاء من أمر، ونهي، ونسخ، وتبديل، فيفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، وهو كالدليل على قوله: {أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} الملك: تمام القدرة واستحكامها، وتخصيص السموات والأرض بالذكر، وإن كان الله تعالى له ملك الدنيا والآخرة جميعًا؛ لكونهما أعظم المصنوعات المحسوسة، وأعجبها شأنًا. وهذا الخبر (٢)، وإن كان خطابًا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، لكن فيه تكذيبٌ لليهود الذين أنكروا النسخ، وجحدوا نبوّة عيسى، ومحمدٍ عليهما الصلاة والسلام، فأخبرهم أنَّ الله سبحانه وتعالى، له ملك السموات والأرض، وأنَّ الخلق كُلَّهم عبيده، وتحت تصرُّفه، يحكم فيهم ما يشاء، وعليهم السمع والطاعة، فعلم أنَّ هذه الجملة، كالدليل على قوله: {أنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قديرٌ}، كما مرَّ، أو على جواز النسخ، ولذلك ترك العاطف {وَمَا لَكُمْ} أيها المؤمنون {مِنْ دُونِ اللَّهِ}


(١) روح البيان.
(٢) العمدة.