للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعيد؛ أي: فالذي ابتدأ خلقكم أوّل مرة من غير مثال، يعيدكم إلى الحياة بالقدرة التي ابتدأكم بها، فكما لم تعجز تلك القدرة عن البداءة لا تعجز عن الإعادة {فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ} أي: يحركون جهتك {رُؤُسَهُمْ} تعجبًا وإنكارًا، وتكذيبًا لقولك، يقال: أنغض إذا حرك كالمتعجب، أي: يحركون رؤوسهم إلى فوق، وإلى أسفل هزءا وسخرية {وَيَقُولُونَ} استهزاء {مَتى هُوَ}، أي: متى الإحياء والإعادة التي وعدتنا؟ فهو سؤال عن وقت البعث بعد تعيين الباعث {قُلِ} جوابًا لهم {عَسى أَنْ يَكُونَ} ذلك البعث والإعادة؛ أي: حقّ ووجب كونه {قَرِيبًا} إذ كل ما هو آت قريب، أو لأنه مضى أكثر الزمان، وبقي أقله، وعسى في الأصل: للطمع، والإشفاق، وفي كلامه تعالى: للوجوب، يعني: أنه قرب وقته فقد قرب ما يكون فيه من الحساب والعقاب.

٥٢ - اذكروا {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ} سبحانه وتعالى من الأجداث كما دعاكم من العدم إلى المحشر على لسان إسرافيل بالنداء الذي يسمعه جميع الخلائق، وهو النفخة الأخيرة، فإن (١) إسرافيل ينادي: أيتها الأجسام البالية، والعظام النخرة، والأجزاء المتفرقة، عودي كما كنت بقدرة الله تعالى وبإذنه.

{فَتَسْتَجِيبُونَ} منها استجابة الأحياء، وتوافقون الداعي فيما دعاكم إليه حالة كونكم متلبسين {بِحَمْدِهِ} تعالى؛ أي: حامدين لله تعالى على قدرته على البعث، كما قال سعيد بن جبير: إنهم ينفضون التراب عن رؤوسهم، ويقولون: سبحانك اللهم وبحمدك، فيقدّسونه، ويحمدونه حين لا ينفعهم ذلك، وهذا مبالغة في انقيادهم للبعث. {وَتَظُنُّونَ} عندما ترون الأهوال الهائلة {إِنْ لَبِثْتُمْ}؛ أي: ما مكثتم في القبور، أو في الدنيا {إِلَّا قَلِيلًا} كالذي مرّ على قرية؛ أي: تظنون عند البعث أنكم ما لبثتم في قبوركم إلا زمنًا قليلًا بالنسبة إلى لبثكم بعد الإحياء وذلك (٢) لأن الإنسان لو مكث في الدنيا وفي القبر ألوفًا من السنين عدّ ذلك قليلًا بنسبة مدة القيامة، والخلود في الآخرة، وقيل: إنهم يستحقرون مدّة الدنيا في جنب


(١) المراح.
(٢) الخازن.