١١٨ - {فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا}؛ أي: احكم بيني وبينهم حكمًا عدلًا؛ أي: احكم بيننا بما يستحقه كل واحد منا من الفتاحة؛ وهي الحكومة؛ أي: إن قومي كذبوني فيما أتيتهم به من الحق من عندك فاحكم بيني وبينهم حكمًا تهلك به المبطل، وتنتقم منه، وتنصر به الحق وأهله، وجاء في آية أخرى {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (١٠)} قال ابن الشيخ: أراد به الحكم بإنزال العقوبة عليهم؛ لقوله عقبه:{وَنَجِّنِي}؛ أي: خلصني {وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}؛ أي: من العذاب، ومن إذاية الكفار، وكان المؤمنون ثمانين من الرجال، وأربعين من النساء.
١١٩ - فلما دعا ربه بهذا الدعاء استجاب له، فقال:{فَأَنْجَيْنَاهُ}؛ أي: فأنجينا نوحًا {وَمَنْ مَعَهُ} من المؤمنين حسب دعائه {فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ}؛ أي: المملوء بهم، وبكل صنف من الحيوان، وبما لا بد لهم منه من الأمتعة والمأكولات
١٢٠ - {ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ}؛ أي: بعد إنجائهم، أو بعد ركوب نوح والمؤمنين على السفينة {الْبَاقِينَ} من قومه من لم يركب السفينة بالطوفان، وفيه تنبيه على أن نوحًا كان مبعوثًا إلى من على وجه الأرض، ولذا قال في قصة الباقين، وفي قصة موسى {ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (٦٦)}.
والمعنى: أي فأنجينا نوحًا ومن اتبعه على الإيمان بالله وطاعة رسوله، وأغرقنا من كفر به وخالف أمره، وفي قوله {الْمَشْحُونِ} إيماء إلى كثرتهم، وأن الفلك امتلأ بهم وبما صحبهم
١٢١ - {إِنَّ فِي ذَلِكَ} الإنجاء والإهلاك، أو إن في ذلك الذي فعل بقوم نوح لاستكبارهم عن قبول الحق واستخفافهم بفقراء المسلمين {لَآيَةً}؛ أي: لعبرة لمن بعدهم.
والمعنى: أي إن في إنجاء المؤمنين وإنزال سطوتنا وبأسنا بالكافرين لعبرة وعظة لقومك يا محمد المصدقين منهم والمكذبين على أن سنتنا إنجاء رسلنا وأتباعهم إذا نزلت نقمتنا بالمكذبين من قومهم، وكذلك هي سنتي فيك وفي قومك {وَمَا كَانَ}: {كَانَ}: زائدة عند سيبويه كما تقدم {أَكْثَرُهُمْ}؛ أي: أكثر قوم نوح {مُؤْمِنِينَ} فلم يؤمن من قومه إلا ثمانون من الرجال وأربعون من النساء؛