يتقادم عهده، وكرَّر تعالى: ذكر رفع الطور عليهم؛ ليقبلوا ما في التوراة، وأمروا بالسمع والطاعة، فأجابوا بالعصيان هذا، وهم ملجؤون إلى الإيمان، أو كالملجئين؛ لأنَّ مثل هذا المزعج العظيم من رفع جبل عليهم لينشد جوابه، جديرٌ بأن يأتي الإنسان ما أُمِر به، ويقبل ما كُلِّف به من التكاليف، وإِباؤُهم لذلك، وعدمُ قبولهم؛ سببَهُ أنَّ عبادة العجل خامرَتْ قلوبهم، ومازَجَتها حتى لم تسمح قبولًا لشيءٍ من الحق، والقلب إذا امتلأَ بحبِّ شيءٍ لم يسمع سواه، ولم يُصْغِ إلى مَلاَم، وأنشدوا:
ثمَّ ذمَّهم تعالى على ما أمرهم به إيمانهم، ولا إيمان لهم حقيقةً، بل نسب ذلك إليهم على سبيل التهكُّم من عبادة العجل، واتخاذه إلهًا من دون الله، ثُمَّ كذَّبهم في دعواهم أنَّ الجنّة هي خالصةٌ لهم لا يدخلها أحدٌ سواهم، فأمرهم بتمنِّي الموت؛ لأنَّ من اعتقد أنّه يصير إلى سرور، وحبور، ولذّةٍ دائمةٍ لا تنقضي، يؤثر الوصول إلى ذلك، وانقضاء ما هو فيه من الذلَّة، والنَّكدِ. وأخبر تعالى أنَّ تمنِّي الموت لا يقع منهم أبدًا، وأنَّ امتناعهم من ذلك هو بما قدَّمت أيديهم من الجرائم، فظهر كذبهم في دعواهم بأنَّهم من أهل الجنة، ثُمَّ ذكر ترشيحًا لما قبله من عدم تمنيهم الموت، أنّهم أشدُّ الناس حرصًا على حياةٍ، حتى إنّهم أحرص من الذين لا يؤمنون بالدار الآخرة، ولا يرجون ثوابًا، ولا يخافون عقابًا، ثُمَّ ذكر أنَّ أحدهم يودُّ أن يُعَمَّر ألف سنة ومع ذلك فتعميره وإن طال ليس بمنجيه من عذاب الله.
ثُمَّ ختم الآيات بأنَّ الله تعالى، مطلع على قبائح أفعالهم، ومجازيهم عليها، وتبيَّن بمجموع هذه الآيات ما جبل عليه اليهود من فرط كذبهم، وتناقض أفعالهم وأقوالهم، ونقص عقولهم، وكثرة بهتهم، أعاذنا الله من ذلك، وسلك بنا أنهج المسالك
٩٧ - {قُلْ} يا محمد! لهؤلاء اليهود الذين زعموا أنَّ جبريل عدوٌّ لهم من بين الملائكة؛ لأنّه ينزل بالعذاب والشدّة {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ} بِسَبَب نزوله بالقرآن المشتمل على سبِّهم وتكذيبهم، فليمت غيظًا؛ لأنَّ من عاداه فقد