الثواب والعقاب {لَصَادِقٌ}؛ أي: لموعود محقّق لا خلف فيه، قال في "الإرشاد": وصف الوعد بالصدق كوصف العيشة بالرضى في أنّ اسم الفاعل مسند إلى المفعول به، إذ الوعد مصدوق، والعيشة مرضية.
وقال القاضي زكرياء: إن قلت: كيف قال ذلك، مع أنّ الصادق وصف للواعد لا لما يوعد؟
قلت: وصف به ما يوعد مبالغة، أو هو بمعنى مصدوق، كعيشة راضية، وماء دافق؛ أي: عيشة مرضية وماء مدفوق، فاسم الفاعل جاء بمعنى اسم المفعول انتهى. وقال ابن الشيخ: أي: لذو صدق على أنّ البناء للنسب كتامر ولابن؛ لأنّ الموعود لا يكون صادقًا، بل الصادق هو الواعد، وإما مصدرية؛ أي: إن وعدكم بالثواب، ووعيدكم بالعذاب لصادق؛ أي: لمحقّق لا محالة، إذ يحتمل {تُوعَدُونَ} أن يكون مضارع وعد وأوعد، والثاني: هو المناسب للمقام؛ لأنّ الكلام مع المنكرين.
٦ - {وَإِنَّ الدِّينَ}؛ أي: وإنّ الجزاء على الأعمال لحاصل، وكائن لا محالة، فإنّ من قدر على هذه الأمور البديعة المخالفة لمقتضى الطبيعة .. فهو قادر على البعث الموعود، قال بعضهم: قد وعد الله سبحانه المطيعين بالجنة، والتائبين بالمحبّة، والأولياء بالقربة، والعارفين بالوصلة، والطالبين بالوجدان، كما قال:"ألا من طلبني وجدني". ووعد الله واقع ألبتة، ومن أوفى بوعده من الله، وأوعد الفاسقين بالنار، والمصرين بالبغضاء، والأعداء بالبعد، والجاهلين الغافلين بالفراق، والبطالين بالفقدان.
قال بعضهم: ما الحكمة في معنى القسم من الله سبحانه، فإنه إن كان لأجل المؤمن، فالمؤمن يصدق بمجرد الإخبار من غير قسم، وإن كان لأجل الكافر فلا يفيده؟ والجواب: إنّ القرآن نزل بلغة العرب، ومن عادتها القسم إذا أرادت أن تؤكد أمرًا، والحكم يفصل باثنين: إما بالشهادة، وإما بالقسم، فذكر الله في كتابه النوعين حتى لا يبقى لهم حجة، فقال:{شَهِدَ اللَّهُ} الآية. ولا يكون القسم إلا باسم معظم، وقد أقسم الله بنفسه في القرآن في سبعة مواضع،