للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والباقي من القسم القرآنيّ قسم بمخلوقاته، كما في عنوان هذه السورة، ونحوه: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (١)}، والصافات والشمس والليل والضحى وغير ذلك.

فإن قلت (١): ما الحكمة في أنّ الله تعالى قد أقسم بالخلق، وقد ورد النهي عن القسم بغير الله تعالى؟

قلت: فيه وجوه:

الأول: أنه على حذف مضاف؛ أي: ورب الذاريات، وربِّ التين، ورب الشمس.

والثاني: أنّ العرب كانت تعظم هذه الأشياء، وتقسم بها، فنزل القرآن على ما يعرفون.

والثالث: أنّ الإقسام إنما يكون بما يعظمه المقسم أو يجله، وهو فوقه، والله تعالى ليس شيء فوقه، فأقسم تارةً بنفسه، وتارةً بمصنوعاته؛ لأنَّها تدل على بارىءٍ، وصانع حكيم، وقال بعضهم: القسم بالمصنوعات يستلزم بالصانع؛ لأنّ ذكر المفعول يستلزم ذكر الفاعل، إذ يستحيل وجود مفعول بغير فاعل.

وقال بعضهم: إنّ الله تعالى يقسم بما شاء من خلقه، وليس لأحد أن يقسم إلا بالله تعالى.

وقال بعضهم: القسم: إما لفضيلة، أو منفعة، ولا تخلو المصنوعات عنهما.

ومعنى الآية على القول الثاني - أعني: قول: أنّ هذه المذكورات أوصاف للرياح -: أقسم (٢) سبحانه بالرياح، وذروها التراب، وحملها السحاب، وجريها في الهواء بيسر وسهولة، وتقسيمها الأمطار، إنّ هذا البعث لحاصل، وإن هذا الجزاء لا بدّ منه في ذلك اليوم، يوم يقوم الناس لرب العالمين.

وهنا أقسم سبحانه بالرياح وأفعالها، لما يشاهدون من آثارها، ونفعها العظيم لهم، فهي التي ترسل الأمطار مبشّرات برحمته، ومنها تسقي الأنعام


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.