الهمداني، وهو الحوفي، فاحتمل أن يكون قول ابن عطية وبعض الكوفيين كنايةً عن عيسى الهمداني، وإذا أطلقوا عيسى، أو قالوا: عيسى البصرة .. فهو عيسى ابن عمر الثقفي.
والمعنى: أي فكيف تنكرون أو تشكون أيها الجاحدون في البعث والنشور، وقد رأيتم ما يدل عليه من قدرة الله التامة، وعلمه المحيط بكل شيء، وحكمته الباهرة التي تقتضي أن لا يكون ما خلق من الخلق عبثًا: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (١١٥)}.
فمن ينعم بهذه النعم لا يمكن أن يهملها ويتركها سدًى، انظروا إلى الأرض التي جعلها الله لك ممهدةً وموطأة الأكناف للناس والدواب، يقيمون عليها، ويفترشونها، وينتفعون بها بخيراتها الظاهرة والباطنة، ويبنون القصور الشامخة والعمارات السامقة، وهي بين أيديهم ذليلة لا تستعصي حتى على الطفل منهم يشقها كيف يشاء، وهي في ضخاتها وعظمتها، لكن الله الذي خلقها ذللها للناس ومهدها لهم، ووطأها وألانها بين أيديهم، وجعلها ساكنة ثابتة قارَّة لا تتحرك ولا تضطرب إلا بإذنه وقدرته تعالى، ألا ينظرون إلى عظمة هذه الأرض التي منها خلقوا، وفيها سيعودون، ومنها سيخرجون تارة أخرى شاؤوا أم أبوا، ألا ينظرون إلى أسرار التربة التي في الأرض، وما فيها من عجائب صنع الله تعالى، ففي هذا التراب الذي تحت قدميك الحلو والحامض، والدم واللحم، والعظم والخبر، والقطن والصوف، وما يأكل الناس والدواب ويلبس، فسبحان الخالق العظيم الذي خلق كل شيء فقدره تقديرًا، واسمعوا قول الله سبحانه إذ يقول: {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٣)} وأشباه ذلك من الآيات.
٢ - ٧ {وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (٧)}؛ أي: وجعلنا الجبال لها كالأوتاد في لا تميل باهلها ولا تضطرب بسكانها، كما ترسى الخيام بالأوتاد، ولولاها لكانت دائمة الاضطراب لما في جوفها من المواد الدائمة الجيشان والمعادن المختلفة الأشكال والألوان، فلا تتم الحكمة في كونها مهادًا، فهو من باب التشبيه البليغ كما سيأتي، والأوتاد: جمع وتد، وهو ما يوتد ويحكم به المتزلزل المتحرك من اللوح وغيره.