للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} وإنما خص المؤمنين هنا؛ لكونهم أفضل أنواع الناس وقيل: المراد بالأكل الانتفاع، وقيل: المراد به الأكل المعتاد، وهو الظاهر.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله طيب ولا يقبل إلا الطيب، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر المرسلين فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} ثم ذكر رجلًا يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذي بالحرام فأنى يستجاب له"؟ أخرجه مسلم. أَشْعَثُ: هو البعيد العهد بالدهن، أَغْبَرَ: هو البعيد العهد بالغسل والنظافة، ويستفاد من هذا الحديث أن المراد بالطيبات الحلالات.

{وَاشْكُرُوا لِلَّهِ} الذي رزقكموها على جميع نعمه {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}؛ أي: إن صح أنكم تخصونه بالعبادة، وتقرون أنه إلهكم لا غيره، وأنه هو مولى جميع النعم لا غيره .. فإن الشكر رأس العبادات، وقيل: معناه: إن كنتم عارفين بالله وبنعمه .. فاشكروه عليها.

وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه (١): "يقول الله تعالى: إنّي والإنس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر غيري".

١٧٣ - {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ} لمّا (٢) أباح الله تعالى لعباده أكل ما في الأرض من الحلال الطيب، وكانت وجوه الحلال كثيرة لا تنحصر .. بيّن لهم في هذه الآية ما حرم عليهم؛ لكونه أقل، فلما بيّن ما حرم .. بيّن ما سوى ذلك على التحليل حتى يرد منع آخر: وهذا مثل قوله - صلى الله عليه وسلم - لما سئل عما يلبس المُحْرِم فقال: لا يلبس القميص ولا السراويل". فعدل عن ذكر المباح إلى ذكر المحظور؛ لكثرة المباح، وقلة المحظور، وهذا من الإيجاز البليغ. كما مر آنفًا في محل المناسبة.


(١) البيضاوي.
(٢) البحر المحيط.