للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

و {إِنَّمَا} كلمة موضوعة؛ للدلالة على إثبات المذكور، ونفي غيره، فهي بمعنى {ما} النافية، و {إلا} المثبته؛ أي: ما حرم عليكم شيئًا من الأشياء إلا الميتة؛ أي: إلا أكل الميتة، والانتفاع بها بأي وجهٍ كان؛ وهي التي زالت حياتها بغير ذكاة شرعية، وأُلحق بها بالسُّنة: ما أُبينَ من حيٍّ. رواه أبو داود والترمذي وحسنه بلفظ: "ما قُطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة" وإنما حرم الميتة لما يتوقع من ضررها؛ لأنها إما أن تكون قد ماتت بمرض سابق، أو بعلمة عارضة، وكلاهما لا يؤمن ضرره، ولأن الطباع تستقذرها، وخص منها السمك والجراد في خبر: "أحلت لنا ميتتان ودمان السمك والجراد والكبد والطحال" رواه ابن ماجه والحاكم. {و} إلا {الدم} السفوح كما في سورة الأنعام؛ أي: الجاري، وكانت العرب تجعل الدم في المصارين، ثم تشويه وتأكله، فحرم الله الدم. وخص منه بالقيد المذكور الكبد والطحال، وإنما حُرم الدم؛ لأنه قذر وضارّ كالميتة {و} إلا {لحم الخنزير} وجميع أجزائه، وإنما خص اللحم بالذكر؛ لأنه المقصود بالأكل، وإنما حرم لحم الخنزير؛ لأنه ضار، ولا سيما في البلاد الحارة كما دلت على ذلك التجربة. {و} إلا {ما أهل به لغير الله}؛ أي: وما حرم عليكم شيئًا من الأشياء إلا ما رفع به الصوت عند ذبحه لغير الله، من صنم أو غيره مما يعبد من دون الله؛ لأنه من أعمال الوثنيين، فـ {ما} (١) موصولة و {به}: نائب فاعل لـ {أهل} و {الباء} بمعنى (في) مع حذف مضاف، والمعنى: وما صيح في ذبحه لغير الله، والمشركون يرفعون الصوت لآلهتهم عند الذبح، فجرى ذلك مجرى أمرهم وحالهم حتى قيل لكل ذابح مهل وإن لم يجهر بالتسمية، وقال الربيع بن أنس، وابن زيد: المعنى: وذكر عليه غير اسم الله، وعلى هذا فـ {غير الله} نائب الفاعل، واللام صلة.

وقد نص الفقهاء (٢) على أن كل ما ذكر عليه اسم غير الله، ولو مع اسم الله؛ فهو محرم، ومثل ذلك ما يفعله العامة في القرى؛ إذ يقولون عند الذبح: باسم الله، الله أكبر، يا سيد، يا بدوي، يريدون بذلك أن يتقبل منهم النذر، ويقضي حاجة صاحبه.


(١) المراح.
(٢) المراغي.