والحيوان والإنسان وما فيها من العجائب لأوضح دلالة من النظر في الآفاق.
٢٧ - ولما لم يستطع ردًا لما جاء به، وخاف من قومه تأثرًا بما يقول موسى أورد ما يشكك قومه في حسن تقديره للأمور، وفهمه لما يقول، فـ {قَالَ}؛ أي: فرعون من سفاته، وصرفًا لقومه عن قبول الحق، مخاطبًا لخاصة قومه، وعليهم أقبية الديباج مخوصة بالذهب:{إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ}؛ أي: لا عقل له؛ إذ يقول قولًا لا نعرفه ولا نفهمه، فهو يدعي أن ثمة إلهًا غيري، وسماه رسولًا على السخرية، وأضافه إلى مخاطبيه ترفعًا من أن يكون مرسلًا إلى نفسه.
٢٨ - ثم وصف موسى الإله بأنه خالق الأكوان، ورب الزمان والمكان حيث {قَالَ}؛ أي: موسى: رب العالمين هو {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا}؛ أي: هو خالق موضع طلوع الشمس وغروبها ووقتهما وما بينهما، فتشاهدون في كل يوم أنه يأتي بالشمس من المشرق إلى المغرب على وجه نافع، تنتظم به أمور الكائنات، وكل ذلك أمور حادثة مفتقرة إلى محدث قادر عليم حكيم {إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} شيئًا من الأشياء، أو من جملة من له عقل وتمييز .. علمتم أن الأمر كما قلته، وأن لا جواب فوقه، واستدللتم بالأثر على المؤثر، وفيه تلويح بأنهم بمعزل من دائرة العقل، متصفون بما رموه بهِ عليه السلام من الجنون، فمن كمال ضدّية موسى وفرعون، وكذا القلب والنفس، يعد كل منهما ما يصدر من الآخر من الجنون، والمعنى: إن كنت يا فرعون أنت ومن معك من العقلاء .. عرفت وعرفوا أنه لا جواب لسؤالك إلا ما ذكرت لك.
وقرأ عبد الله وأصحابه والأعمش:{رب المشارق والمغارب} على الجمع فيهما.
فإن قلت (١): ذكر السموات والأرض مستوعب جميع المخلوقات، فما