والمعنى (١): أمر الله رسوله أن يظهر لأصحابه ما أوحى به إليه من قصص الجن لما في علمه من فوائد ومنافع للناس منها:
١ - أن يعلموا أنه - صلى الله عليه وسلم - كما بعث إلى الإنس بعث إلى الجن.
٢ - أن يعلموا أنّ الجن يستمعون كلامنا ويفهمون لغاتنا.
٣ - أن يعلموا أن المؤمن منهم يدعو غيره من قبيلته إلى الإيمان.
٤ - أن يعلموا أن الجن مكلفون كالإنس.
٥ - أن تعلم قريش أنَّ الجن على تمردها, لما سمعت القرآن عرفت إعجازه وآمنت به.
وكان استماعهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - قبل الهجرة بثلاث سنين، والذين استمعوه هم جن نصيبين قرية باليمن، وذلك في صلاة الصبح يقرأ سورة الرحمن، أو سورة اقرأ ببطن نخل موضع بين مكة والطائف. وذكر الخطيب في سورة الأحقاف أنّ صلاته ببطن نخل كانت حين رجوعه من الطائف، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - في السنة الحادية عشرة من النبوة لما أيس من أهل مكة خرج إلى الطائف ليدعوهم إلى الإِسلام، فلم يجيبوه، فانصرف راجعًا إلى مكة، فأقام ببطن نخل، بينه وبين مكة مسيرة ليلة، يقرأ القرآن فمرّ به نفر من جنّ نصيبين اهـ. وعن عكرمة: أنهم كانوا اثني عشر ألفًا من جزيرة الموصل.
وقد حكى سبحانه عن الجن أشياء:
١ - {فَقَالُوَا} لقومهم عند رجوعهم إليهم {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا}؛ أي: كتابًا مقروءًا على لسان الرسول {عَجَبًا}؛ أي: عجيبًا؛ أي: معجبًا في فصاحته وبلاغته، وقيل: في مواعظه، وقيل: في بركته. وهو مصدر بمعنى العجيب وضع موضعه للمبالغة، والعجيب ما خرج عن حدّ أشكاله ونظائره. والمعنى: كتابًا بديعًا مباينًا لكلام الناس في حسن النظم ودقّة المعنى. وقال البقليّ: كتابًا عجيبًا تركبه، وفيه إشارة إلى أنهم كانوا من أهل اللسان.
٢ - {يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ}؛ أي: إلى الحق والصواب وصلاح الدنيا والدين، كما قال عليه السلام:"اللهم ألهمني رشدي"؛ أي: الاهتداء إلى مصالح الدين والدنيا، فيدخل فيه التوحيد والتنزيه. وحقيقة الرشد هو الوصول إلى الله تعالى. والجملة صفة أخرى للقرآن.