للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الغالب عليها الأرضية، ولا في صفاء النفوس المجردة ولطافتها لتتصل بالعالم العلوي، وتتجرد، أو تتعلق ببعض الأجرام السماويّة متعلقة بأجرام لطيفة غلبت عليها الهوائية، أو النارية أو الدخانية على اختلاف أحوالها. سماها بعض الحكماء الصور المعلقة، ولها علوم وإدراكات من جنس علومنا وإدراكاتنا, ولما كانت قريبة الطبع إلى الملكوت السماوي أمكنها أن تتلقي من عالمها بعض الغيب، فلا يستبعد أن ترتقي أفق السماء فتسترق السمع من كلام الملائكة؛ أي: النفوس المجردة. ولما كانت أرضيّة ضعيفة بالنسبة إلى القوى السماوية تأثرت تلك القوى، فرجمت بتأثيرها عن بلوغ شأنها وإدراك مداها من العلوم، ولا ينكر أن تشتعل أجرامها الدخانية بأشعة الكواكب فتحترق، وتهلك أو تنزجر عن الارتقاء إلى الأفق السماوي، فتتسفل فإنها أمور ليست بخارجة عن الإمكان.

وقد اختلف (١) أهل العلم في دخول مؤمني الجن الجنة كما يدخل عصاتهم النار لقوله في سورة تبارك: {وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ} وقول الجنّ فيما سيأتي في هذه السورة: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (١٥)} وغير ذلك من الآيات. فقال الحسن: يدخلون الجنة، وقال مجاهد: لا يدخلونها وإن صرفوا عن النار. والأول أولى لقوله في سورة الرحمن: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ} وفي سورة الرحمن آيات غير هذه تدل على ذلك، فراجعها. وقد قدمنا أن الحق أنه لم يرسل الله إليهم رسلًا منهم بل الرسل جميعًا من الإنس، وإن أشعر قوله: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} بخلاف هذا فهو مدفوع الظاهر بآيات كثيرة في الكتاب العزيز دالة على أنّ الله سبحانه لم يرسل الرسل إلّا من بني آدم. وهذه الأبحاث يطول الكلام فيها. والمراد هنا الإشارة إليها بأخصر عبارة وأوجز إشارة.

والحاصل (٢): من الكتاب والسنة: العلم القطعي بأن الجن والشياطين موجودون متعبّدون بالأحكام الشرعية على النحو الذي يليق بخلقتهم وبحالهم، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رسول إلى الإنس والجن، فمن دخل في دينه فهو من المؤمنين، ومعهم في الدنيا والآخرة والجنة، ومن كفر به فهو من الشياطين المبعدين المعذبين فيها والنار مستقره.


(١) الشوكاني.
(٢) الخازن.