القلب المذكور كان المقدم على الكل في الإراءة، فينبغي أن يكون هو المراد على ما تقتضيه الفاء التعقبية في قوله الآتي: {فَكَذَّبَ وَعَصَى (٢١)}.
والمعنى: أي فلما لم يقنع بالدليل القولي .. أظهر له آية كبرى ودليلًا يراه بعينه، وهو انقلاب العصا حية
٢١ - {فـ} مع ذلك {كَذَّبَ} فرعون بموسى، وسمى معجزته سحرًا عقيب رؤية الآية، من غير روية وتأمل، وطلب شاهد من عقل، وناصح من فكر وقلب؛ لغاية استكباره وتمرده {وَعَصَى} الله سبحانه. بالتمرد بعدما علم صحة الأمر، ووجوب الطاعة، أشد عصيان وأقبحه، حيث اجترأ على إنكار وجود رب العالمين رأسًا. فدل العطف على أن الذي ترتب على إراءة الآية الكبرى هو التكذيب الذي يكون عصيانًا لله تعالى، وهو التكذيب باللسان، مع حصول الجزم بأن من كذبه ممن يجب تصديقه، فأما تكذيب من لا يجب تصديقه .. فلا يكون عصيانًا، ويجوز أن يراد: وعصى فرعون موسى فيما أمر به، إلا أن الأول أدخل في ذمه، وتقبيح حاله، وكان اللعين وقومه مأمورين بعبادته تعالى، وترك دعوى الربوبية، لا بإرسال بني إسرائيل من الأسر والقسر فقط.
٢٢ - {ثُمَّ أَدْبَرَ}؛ أي: تولى عن الطاعة، وأعرض عن الإيمان، وكلمة {ثُمَّ} على هذا معناها التراخي الزماني، إذ السعي في إبطال أمره يقتضي مهلة، أو انصرف عن المجلس. قال الراغب:{أَدْبَرَ}؛ أي: أعرض وولى دبره حال كونه {يَسْعَى}؛ أي: يجتهد في معارضة الآية تمردًا وعنادًا، لا اعتقادًا، بأنها يمكن معارضتها، وهو حال من فاعل {أَدْبَرَ} بمعنى: مسرعًا مجتهدًا.
وقيل: أدبر هاربًا من الحية حال كونه يسعى خوفًا منها.
والمعنى: أي فكذب فرعون موسى، ثم ولى معرضًا عما دعاه إليه من طاعة ربه وخشيته، وطفق يخب في المعاصي، ويضع غير متدبر في عاقبة أمره، ولا مفكر في غده.
٢٣ - {فَحَشَرَ}؛ أي: فجمع فرعون جنوده للقتال والمحاربة، أو جمع السحرة للمعارضة، لقوله تعالى: {فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (٥٣)}، وقوله تعالى: {فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (٦٠)}؛ أي: ما يكاد به من السحرة وآلاتهم، أو جمع جميع الناس