قالوا: قد رضينا وسلمنا، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "إنا لا ندري، لعل فيكم من لا يرضى، فمروا عرفائكم، فليرفعوا ذلك إلينا" فرفعت إليه العرفاء أنهم قد رضوا، ولم تقع غنيمة أعظم من غنيمتهم، فقد كان فيها من الإبل اثنا عشر ألفًا، ومن الغنم ما لا يحصى عددًا، ومن الأسرى ستة آلاف من نسائهم وصبيانهم، وكان فيها غير ذلك، ووقعة حنين مذكورة في كتب السير والحديث بطولها وتفاصيلها، فلا نطيل الكلام بذلك.
٢٨ - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ} وصدقوا بما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم -، {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ}؛ أي: أنجاس فاسدوا الاعتقاد، يشركون بالله ما لا يضر ولا ينفع، فيعبدون الرجس من الأوثان والأصنام، ويدينون بالخرافات والأوهام، ويأكلون الميتة والدم، وهي أقذار حسية، ويستحلون القمار والزنا، ويسبيحون الأشهر الحرم، وهي: أرجاس معنوية فمن أجل هذا {فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا}؛ أي: بعد هذه السنة التي حصل فيها النداء بالبراءة من المشركين، وهي السنة التاسعة من الهجرة؛ أي: لا تمكنوهم بعد هذا العام، أن يدخلوا المسجد الحرام بدخول أرض الحرم، فضلًا عن دخول البيت نفسه وطوافهم فيه عراةً، يشركون بربهم في التلبية، وإذا صلوا .. لم تكن صلاتهم إلا مكاءً وتصدية.
تنبيه: واعلم أن بلاد الإسلام في حق الكفار ثلاثة أقسام (١):
١ - الحرم: فلا يجوز لكافر أن يدخله بحال، لظاهر الآية، وبذلك قال الشافعي وأحمد ومالك: فلو جاء رسول من دار الكفر والإمام في الحرم .. لا يأذن له في دخوله الحرم، بل يخرج إليه بنفسه، أو يبعث إليه من يسمع رسالته خارج الحرم وأبو حنيفة يجيز للمعاهد دخول الحرم بإذن الخليفة أو نائبه.
٢ - الحجاز: وهو ما بين عدن إلى ريف العراق في الطول، ومن جدة وما والاها من ساحل البحر إلى أطراف الشام عرضًا، ويجوز للكافر دخولها