للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المصحف، وعن علقمة أنه قرأ {ملافُّوها} بالفاء مشددة من لففت، وأجاز أبو معاذ {مصرفا} بفتح الراء، وهي قراءة زيد بن علي جعله مصدرا، كالمضرب، لأن مضارعه يصرف على وزن يفعل كيضرب.

٥٤ - ولما ذكر (١) سبحانه افتخار الكفرة على فقراء المسلمين بأموالهم وعشائرهم، وأجابهم عن ذلك، وضرب لهم الأمثال الواضحة، وحكى بعض أحوال الآخرة فقال: {وَلَقَدْ صَرَّفْنا}؛ أي: وعزتي وجلالي، لقد كررنا وبيّنا وذكرنا على وجوه كثيرة من النظم {فِي هذَا الْقُرْآنِ} الكريم {لِلنَّاسِ}؛ أي: لمصلحتهم ومنفعتهم {مِنْ كُلِّ مَثَلٍ}؛ أي: من كل نوع من أنواع الأمثال، كمثل الرجلين المذكورين، ومثل الحياة الدنيا، ليتذكروا ويتعظوا، أو من كل نوع من أنواع المعاني البديعة الداعية إلى الإيمان، التي هي في الغرابة والحسن كالمثل ليتلقوه بالقبول؛ فلم يفعلوا، والمعنى؛ أي: ولقد وضحنا للناس كل ما هم في حاجة إليه من أمور دينهم، ودنياهم، ليتذكروا فينيبوا، ويعتبروا، ويزدجروا عما هم عليه مقيمون من الشرك بالله، وعبادة الأوثان؛ لكنهم لم يقبلوا ذلك، ولم يرعووا عن غيّهم وعنادهم، واستكبارهم وعتوهم.

{وَكانَ الْإِنْسانُ}؛ أي: جنس الإنسان بحسب جبلته، ومقتضى طبيعته {أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا}؛ أي: مراء وخصومة، تمييز؛ أي: أكثر (٢) الأشياء التي يتأتى منها الجدل، كالجن والملك؛ أي: جدله أكثر من جدل كل مجادل، لا ينبي إلى حق، ولا يزدجر لموعظة، والمراد بذلك خصومة الأمم لأنبيائهم، وردهم عليهم ما جاؤوا به كما حكى الله عنهم من قولهم: {ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} وقولهم: {يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ}.

أخرج الشيخان، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن علي كرم الله وجهه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طرقه وفاطمة ليلا فقال: «ألا تصليان» فقلت: يا رسول الله؛ إنما أنفسنا بيد الله، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا، فانصرف حين قلت ذلك ولم يرجع إليّ


(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.