للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ربك، وصدوا عن الإيمان بالله ورسوله من أراده .. زدناهم عذابًا فوق عذابهم الذي يستحقونه بكفرهم، بسبب استمرارهم على الإفساد بالصد عن سبيل الله.

وخلاصة ذلك: أنهم يعذبون عذابين، عذابًا على الكفر، وعذابًا على الإضلال وصد الناس عن اتباع الحق، وفي الآية دليلٌ على تفاوت الكفار في عذابهم، كما يتفاوت المؤمنون في منازلهم في الجنة ودرجاتهم فيها.

٨٩ - ثم خاطب سبحانه عبده ورسوله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - فقال: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ}؛ أي: واذكر يا محمَّد لقومك قصة يوم نبعث ونحشر {فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا}؛ أي: نبيًّا يشهد {عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}؛ أي: من (١) جنسهم، إتمامًا للحجة وقطعًا للمعذرة، لأنه كان يبعث أنبياء الأمم فيهم منهم، ولوط - عليه السلام - لمَّا تأهل فيهم وسكن فيما بينهم .. كان منهم، وفي قوله: {عَلَيْهِمْ} إشعارٌ بأن شهادة أنبيائهم على الأمم تكون بمحضرٍ منهم، وهذا تكرير لما سبق لزيادة التهديد اهـ "أبو السعود"، وعبارة "الخطيب": ثم كرر سبحانه وتعالى التحذير من ذلك اليوم على وجهٍ يزيد على ما أفهمته الآية السابقة، وهو أن الشهادة تقع على الأمم لا لهم، وتكون بحضرتهم، فقال: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ} إلخ اهـ، وقيل معنى: {شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}؛ أي: أعضاؤهم (٢) فالله تعالى ينطق عشرةً من أعضاء الإنسان حتى إنها تشهد عليه، وهي العينان والأذنان والرجلان واليدان والجلد واللسان.

وقوله: {وَجِئْنَا بِكَ} معطوف على {نبعث}: أي: واذكر يوم جئنا بك يا محمَّد، وهو يوم القيامة؛ أي: يوم نأتي بك حالة كونك {شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ}؛ أي: على قومك وأمتك، بما أجابوك وبما عملوا فيما أرسلناك به إليهم، وعبر بالماضي إشارةً إلى تحقق وقوعه، وتم الكلام هنا، ثم استأنف بقوله: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ} يا محمَّد {الْكِتَابَ} الكامل في الكتابية، الحقيق بأن يخص به اسم الجنس، وهو القرآن الكريم؛ أي: نزلناه عليك في ثلاث وعشرين سنة بحسب الوقائع، كما يفيده صيغة التفعيل، حالة كونه: {تِبْيَانًا}؛ أي: بيانًا بليغًا،


(١) روح البيان.
(٢) المراح.