للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٥٠ - {قَالَ} موسى مجيبًا لفرعون {رَبُّنَا} مبتدأ خبره {الَّذِي} من محض فضله {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ} من المخلوقات {خَلْقَهُ}؛ أي: صورته (١) وشكله الذي يطابق المنفعة المنوطة به، فأعطى العين الشكل الذي يطابق ما يراد بها من الإبصار، والأذن الشكل الذي يوافق الاستماع، وهكذا الأنف، واليد، والرجل، وجميع أعضاء الجسم، شكل كل منها مطابق للمنفعة المنوطة بها، ومن هذا يفهم: أن ضمير الجمع في {رَبُّنَا} عام لموسى وهارون وغيرهم، ولم (٢) يقل ربنا الله، بل وصفه بأفعاله، ليستدل بالفعل على الفاعل، أو المعنى: أو أعطى خليقته كل شيء يحتاجون إليه، ويرتفقون به، وقدم المفعول الثاني لأنه المقصود بيانه، وقيل: المعنى: أعطى كل شيء من أعضاء الجسم خلقه , منفعته التي خلق لأجله، فخلق اليد للبطش، والرجل للمشي، واللسان للنطق، والعين للنظر، والأذن للسمع، وقيل: المعنى: أعطى كل حيوان خلقه؛ أي: نظيره وشكله، زوجًا، فجعل زوجة الرجل المرأة، والبعير الناقة، والفرس الرمكة، وهي الحجرة، والحمار الأتان، وقيل: المعنى: أعطى كل ما خلق خلقته، وصورته الخاصة به على ما يناسبه من الإتقان، لم يجعل خلق الإنسان في خلق البهائم، ولا خلق البهائم في خلق الإنسان، ولكن خلق كل شيء فقدره تقديرًا، وقال الشاعر:

وَلَهُ فِيْ كُلِّ شَيْءٍ خِلْقَةٌ ... وَكَذَلِكَ اللهُ مَا شَاءَ فَعَلْ

وقال الحسن وقتادة: أعطى كل شيء صلاحه، وهداه لما يصلحه، وقرأ (٣) عبد الله، وأناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو نهيك، وابن أبي إسحاق، والأعمش، والحسن، ونصير عن الكسائي، وابن نوح عن قتيبة، وسلَّام: {خَلَقَه} بفتح اللام، فعلًا ماضيًا في موضع الصفة لكل شيء، أو لشيء، ومفعول {أَعْطَى} الثاني حذف اقتصارًا؛ أي: أعطى كل شيء خلقه عطاءه وإنعامه، وقَدَّره ابن عطية: كماله أو مصلحته.


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط.