للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كونه ظاهرًا على أعين الناس، مكشوفًا بمرأى منهم، ومنظر ومسمع منهم، بحيث تتمكن صورته في أعينهم، تمكّن الراكب على المركوب {لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ} أنه الذي فعل ذلك، فتكون شهادتهم عليه حجة لنا؛ أي: لعل بعضًا منهم يشهدون بفعله، أو بقوله ذلك، لئلا نأخذه بلا بينة.

وفيه إشارة إلى أن في بعض الكفار، من لا يحكم على أهل الجنايات إلّا بمشهد من العدول، فكل حاكم يحكم على متّهم بالجناية، من غير بيّنة، فهو أسوأ حالا منهم، ومن قوم نمرود كما في "التأويلات النجمية".

٦٢ - وجملة قوله: {قَالُوا} جواب شرط مقدر تقديره: فلما أتوا به وشهدوا عليه، قالوا منكرين عليه فعله، موبّخين له {أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا} الكسر {بِآلِهَتِنَا} وأصنامنا {يَا إِبْرَاهِيمُ}؛ أي (١): أأنت الذي كسر هذه الأصنام، وجعلهم جذاذًا، وقد طلبوا منه الاعتراف بذلك، ليقدموا على إيذائه، وهم مقتنعون بصحة هذه الجريمة في زعمهم، فما كان منه إلّا أن بادرهم بما أدهشهم، حتى تمنّوا الخلاص منه،

٦٣ - فـ {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا}؛ أي: الذي كان الفأس على عنقه، مشيرًا إلى الذي لم يكسره، وهذا صفة لـ {كبير}؛ أي: قال إبراهيم: بل الذي فعل هذا الكسر، هو الصنم الأكبر، الذي لم يكسر. أسند (٢) الفعل إليه باعتبار أنه الحامل عليه؛ لأنه لما رأى الأصنام مصطفة، مزينة يعظمها المشركون، ورأى على الكبير ما يدل على زيادة تعظيمهم له، وتخصيصهم إياه بمزيد التواضع، والخضوع غاظه، وكان غيظ كبيرها أكبر وأشد، وقال بعضهم: فعله كبيرهم هذا، غضب من أن تعبد معه هذه الصغار، وهو أكبر منها.

وإيضاح هذا (٣): أن إبراهيم - عليه السلام -، لمّا رأى تعظيمهم لهذا الصنم، أشدّ من تعظيمهم لسائر ما معه من الأصنام، غضب أشد الغضب، وأسند إليه الفعل الصادر منه من قبل أنه هو الذي حمله على ذلك، وهو يومىء بذلك إلى


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.