وفي هذا (١): تنبيه إلى كمال القدرة. فإن النطفة جسم متناسب الأجزاء في الظاهر، ويخلق الله تعالى منها أعضاء مختلفة، وطباعًا متباينة من ذكر وأنثى. ومن ثم لم يدع أحد خلق ذلك كما لم يدع خلق السموات والأرض كما قال:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}. ونحو الآية قوله: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (٣٦) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (٣٧) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (٣٨) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (٣٩) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (٤٠)} وقيل: أنه هو أغنى؛ أي: أعطى الغنى للناس بالأموال، وأقنى؛ أي: أعطى القنية. وهي ما يتأثل من الأموال؛ أي: يتخذ أصلًا، ويدخر بأن يقصد حفظه استثمارًا واستنماءً، وأن لا يخرج عن ملكه. وقال بعضهم: أغنى الناس بالكفاية والأموال، وأعطى القنية، وما يدخرونه بعد الكفاية. وقال الضحاك: أغنى بالذهب، والفضة، والمسكن، والثياب. وأقنى بالإبل، والبقر، والغنم، والدواب. قال أبو زيد: تقول العرب: من أعطي مئة من البقر .. فقد أعطي القنى، ومن أعطي مئة من الضأن .. فقد أعطي الغنى، ومن أعطي مئة من الإبل .. فقد أعطي المنى.
وأفرد القنية بالذكر بعد قوله:{أَغْنَى}؛ لأنها أشرف الأموال، وأفضلها. والأوفق لما قدمه من الآي المشتملة على مراعاة صنعة الطباق أن يحمل {أقنى} على معنى أفقر، على أن تكون الهمزة في {أقنى} للإزالة، كما قاله سعديٌّ المفتي.
٤٩ - {وَ} منه {أَنَّهُ} تعالى {رَبُّ الشِّعْرَى}؛ أي: رب معبودهم الشعرى. فاعبدوا الرب دون المربوب. والشعرى: كوكب نير خلف الجوزاء. يقال له: العبور بالمهملة بوزن الصبور. قال مجاهد، وابن زيد: هو مرزم الجوزاء. وهي المرادة هنا. وهي أشد ضياء من الغميصاء - بالغين المعجمة المضمومة - وفتح الميم والصاد المهملة". وهي إحدى الشعريين. يعني: أن الشعرى شعريان. أحدهما: الشعرى اليمانية، وتسمى أيضًا الشعرى العبور. وثانيتهما: الشعرى الشامية، وهي التي بالذراع. وتسمى أيضًا الشعرى الغميصاء، فصلت المجرة بينهما. تزعم العرب أن الشعريين أختا سهيل، وأن الثلاثة كانت مجتمعة فانحدر سهيل نحو اليمين،