للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفي "الروح": قوله: {زِفَتِ الْآزِفَةُ (٥٧)} في إيراده (١) عقيب المذكورات إشعار بأن تعذيبهم مؤخر إلى يوم القيامة، تعظيمًا للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وإن كانوا معذبين في الدنيا في الجملة. واللام فيه للعهد، فلذا صح الإخبار بدنوها, ولو كانت للجنس لما صح؛ لأنه لا فائدة في الإخبار بقرب آزفة ما.

فإن قلت: الإخبار بقرب الآزفة المعهودة لا فائدة فيه أيضًا.

قلتُ: فيه فائدة، وهو التأكيد، وتقرير الإنذار.

والمعنى: (٢) أي اقتربت الساعة، ونصب الميزان, وستجازى كل نفس بما عملت من خير أو شر، فاحذروا أن تكونوا من الهالكين يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم؛ يوم لا يغني مولى عن مولى شيئًا ولا هم ينصرون. ونحو الآية: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (١) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (٢)}. وفي الحديث: "مثلي ومثل الساعة كهاتين" وفرَّق بين أصبعيه الوسطى والتي تلي الإبهام.

٥٨ - {لَيْسَ لَهَا}؛ أي: للساعة {مِنْ دُونِ اللهِ} سبحانه وتعالى {كَاشِفَةٌ}؛ أي: نفس (٣) قادرة على كشفها؛ أي: إزالتها، وردها عند وقوعها في وقتها المقدر لها إلا الله سبحانه، لكنه لا يكشفها؛ من كشف التفسير إذا أزاله بالكلية. فالكاشفة: اسم فاعل، والتاء للتأنيث، والموصوف مقدر. أو المعنى: ليس لها الآن نفس كاشفة؛ أي: قادرة بتأخيرها إلا الله سبحانه. فإنه المؤخر لها. يعني: لو وقعت الآن لم يردها إلى وقتها أحد إلا لله. فالكشف بمعنى الإزالة لا بالكلية، بل بالتأخير إلى وقتها. أو المعنى: ليس لها كاشفة لوقتها إلا الله؛ أي: عالمة به من كشف الشيء إذا عرف حقيقته، أو مبينة له متى تقوم. وفي القرآن: {لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ}. أو المعنى: ليس لها من غير الله كشف على أن كاشفة مصدر كالعافية والخائنة. وأما جعل التاء للمبالغة كتاء علامة فالمقام يأباه لإبهامه ثبوت أصل الكشف لغيره تعالى. والمعنى الأول أولى.

والمعنى (٤): أي ليس هناك من يعرف وقت حلول الآزفة إلا هو فاستعدوا


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.
(٤) المراغي.