للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إنما تدعوهم إليه اتباعًا لأمر ربك ونصيحة منك لهم {إِنْ هُوَ}؛ أي: ما هذا القرآن الذي أرسلك به ربك {إِلَّا ذِكْرٌ}؛ أي: إلا تذكير وموعظة وإرشاد {لِلْعَالَمِينَ} كافة لا لهم خاصة، وبه يهتدون وينجون في الدنيا والآخرة. وفي الآية إيماء إلى عموم رسالته - صلى الله عليه وسلم -.

١٠٥ - {وَكَأَيِّنْ} في قوله: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} بمعنى: كم الخبرية مبتدأ، خبره جملة {يَمُرُّونَ} الآتي؛ أي: وكثير من آيات وعلامات دالة على توحيد الله تعالى، وكمال علمه وقدرته من شمس وقمر، ونجوم وجبال وبحار ونباتات وأشجار كائنة في السموات والأرض. وجملة قوله: {يَمُرُّونَ عَلَيْهَا} خبر {وَكَأَيِّنْ} أي: يمر أكثر الناس على تلك الآيات ويشاهدونها {وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ}؛ أي: والحال أنهم عن الاعتبار بتلك الآيات معرضون ولا يتفكرون فيها، ولا يعتبرون بها، وهم غافلون عما فيها من عبرة ودلالة على توحيد ربها، وأن الألوهية لا تكون إلا للواحد القهار الذي خلقها وخلق كل شيء، فأحسن تدبيره. وبالجملة (١) فما في السموات والأرض من عجائب وأسرار، وإتقان وإبداع؛ ليدل أتم الدلالة على العلم المحيط، والحكمة البالغة، والقدرة التامة.

والذين يشتغلون بعلم ما في السموات والأرض وهم غافلون عن خالقهما ذاهلون عن ذكره، يمتعون عقولهم بلذة العلم، ولكن أرواحهم تبقى محرومة في لذة الذكر ومعرفة الله عز وجل؛ إذ الفكر وحده، وإن كان مفيدًا لا تكون فائدته نافعة في الآخرة إلا بالذكر، والذكر وإن أفاد في الدنيا والآخرة لا تكمل فائدته إلا بالفكر، فطوبى لمن جمع بين الأمرين، فكان من الذين أوتوا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، ونجوا من عذاب النار في الآخرة.

والمشهور في {كأين} عندهم أنه (٢) مركب، من كاف التشبيه ومن أي،


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.