للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يصل بيانه إلى مثل أسلوبه ونظمه. وإذا استبان عجزهم ولزمتهم الحجة فقد صدق النبي صلّى الله عليه وسلّم فيما ادعى، وكان من ارتاب في صدقه معاندا مكابرا، واستحقّ العقاب، وكان جزاءه النار التي وقودها العصاة الجاحدون، وما عبدوه من أحجار وأصنام، أعدّت لكلّ من جحد الرسل أو استحدث في الدين، ما هو منه براء.

قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ...} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنّ الله سبحانه وتعالى، لمّا ذكر الكافرين، وما أعدّ لهم من العقاب. قفّى على ذلك ببشارة الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وما أعدّ لهم من نعيم مقيم في الدار الآخرة، وقد جرت سنّة القرآن أن يقرن الترهيب بالترغيب؛ تنشيطا لاكتساب ما يوجب الزلفى عند الله؛ وتثبيطا عن اقتراف ما يوجب البعد من رضوانه تعالى.

قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ...} الآيات، مناسبتها لما قبلها: أنّ الله سبحانه (١)، لما ذكر الدليل القاطع على أنّ القرآن كلام الله، لا يتطرّق إليه شكّ ولا ريب، وأنّه كتاب معجز، أنزله على خاتم المرسلين، وتحدّاهم أن يأتوا بسورة من مثله. ذكر هنا شبهة أوردها الكفار للقدح فيه، وهي: أنّه جاء في القرآن ذكر النحل، والذباب، والعنكبوت، والنمل، وهذه الأمور لا

يليق ذكرها بكلام الفصحاء، فضلا من كلام ربّ الأرباب. فأجاب الله تعالى عن هذه الشبهة، وردّ عليهم: بأنّ صغر هذه الأشياء لا يقدح في فصاحة القرآن وإعجازه، إذا كان ذكرها مشتملا على حكم بالغة، فقال: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي ...} إلخ.

قوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتًا فَأَحْياكُمْ ...} الآيتين، مناسبتهما لما قبلهما: أنّ الله سبحانه وتعالى، لما (٢) ذكر أولئك الفاسقين الذين ضلوا بالمثل، ووصفهم بالصفات الشنيعة من نقض العهد الموثّق، وقطع ما أمر


(١) عمدة التفاسير والمعربين.
(٢) المراغي.