وقوله:{فاكِهُونَ} خبر ثان لـ {تَعْمَلُونَ}؛ أي: متنعمون بنعيم مقيم، فائزون بملك كبير دائم. ويجوز أن يكون {إِنَّ} هو الخبر، {وفِي شُغُلٍ} متعلق به، في محل النصب على الحال؛ أي: متلذذون في شغل، فشغلهم شغل التلذذ لا شغل فيه تعب كشغل أهل الدنيا.
والتعبير عن حالهم هذه، بالجملة الاسمية قبل تحققها، تنزيل للمترقب المتوقع منزلة الواقع، للإيذان بغاية سرعة تحققها ووقوعها، وزيادة مساءة المخاطبين بذلك. وهم الكفار. والأولى عدم تخصيص الشغل بشيء معين. ثم إن الشغل فسّر على وجوه بحسب اقتضاء مقام البيان ذلك، منها افتضاض الأبكار. وفي الحديث:«إن الرجل ليعطى قوة مئة رجل، في الأكل والشرب والجماع»، فقال رجل من أهل الكتاب: إن الذي يأكل ويشرب يكون له الحاجة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يفيض من جسد أحدهم، عرق مثل المسك الأذفر، فيضمر بذلك بطنه». وفي الحديث:«إن أحدهم ليفتض في الغداة الواحدة مئة عذراء». قال عكرمة: فتكون الشهوة في أخراهن كالشهوة في أولاهن، وكلما افتضها رجعت على حالها عذراء، ولا تجد وجع الافتضاض أصلًا كما في الدنيا. وجاء رجل فقال: يا رسول الله، أنفضي إلى نسائنا في الجنة كما نفضي إليهن في الدنيا؟ قال:«والذي نفسي بيده، إن المؤمن ليفضي في اليوم الواحد، إلى ألف عذراء».
وفي «الفتوحات المكية»: ولذة الجماع هناك، تضاعف على لذة جماع أهل الدنيا أضعافًا مضاعفةً، فيجد كل من الرجل والمرأة لذة لا يقدر قدرها، لو وجداها في الدنيا غشي عليهما من شدة حلاوتها، لكن تلك اللذة إنما تكون بخروج ريح إذ لا مني هناك كالدنيا، كما صرحت به الأحاديث، فيخرج من كل من الزوجين ريح، كرائحة المسك، وليس لأهل الجنة أدبار مطلقًا، لأن الدبر إنما خلق في الدنيا مخرجًا للغائط ولا غائط هناك. ولولا أن ذكر الرجل أو فرج المرأة يحتاج إليه في جماعهم، لما كان وجد في الجنة فرج لعدم البول فيها. ونعيم أهل الجنة، والراحة فيها مطلقة إلا راحة النوم، فليس عندهم من نعيم راحته شيء؛ لأنهم لا ينامون.