قال ابن كثير: وهذا إخبار من الله تعالى أنّه مجازيهم جزاء الاستهزاء، ومعاقبهم عقوبة الخداع، فأخرج الخبر عن الجزاء، مخرج الخبر عن الفعل الذي استحقّوا العقاب عليه. فاللفظ متفق والمعنى مختلف، كقوله تعالى:{فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ}؛ لأنّ الأول ظلم والثاني عدل.
{وَيَمُدُّهُمْ}؛ أي: يزيدهم، ويقويهم من مدّ الجيش وأمده؛ إذا زاده وقوّاه، لا من المدّ في العمر، فإنّه يعدى باللام كأملي لهم. ويدلّ عليه قراءة ابن كثير وَيَمُدُّهُمْ. {فِي طُغْيانِهِمْ} متعلّق بيمدّهم. والطغيان: مجاوزة الحد في كلّ أمر، والمراد هنا: إفراطهم في العتوّ، وغلّوهم في الكفر. وفي إضافته إليهم إيذان باختصاصه بهم، وتأييد لما أشير إليه من ترتب المدّ على سوء اختيارهم.
والمشهور فتح الياء من {يَمُدُّهُمْ}. وقرىء شاذا بضمّها، فقيل: الثلاثي والرباعي بمعنى واحد، ونسبت هذه القراءة إلى ابن محيص، وشبل، وابن كثير، كما مرّ.
حالة كونهم {يَعْمَهُونَ} فيه؛ أي: يتردّدون في الضلالة، متحيّرين عقوبة لهم في الدنيا لاستهزائهم. وهو حال من الضمير المنصوب، أو المجرور، لكون المضاف مصدرا، وهو مرفوع حكما. والعمه في البصيرة، كالعمى في البصر، وهو التحيّر والتردّد بحيث لا يدري أين يتوجّه.
والمعنى: أي يزيدهم بطريق الإمهال والترك في طغيانهم، وضلالتهم، وكفرهم حالة كونهم يعمهون؛ أي: يتردّدون ويتحيّرون في طغيانهم، لا يجدون إلى المخرج منه سبيلا، لأنّ الله طبع قلوبهم، وأعمى أبصارهم، فلا يبصرون رشدا، ولا يهتدون سبيلا، أو المعنى: يتردّدون في البقاء على الكفر وتركه، والدخول في الإيمان.
والمراد بالعمه: عدم معرفة الحقّ من الباطل، فمنهم: من يظهر له وجه الحقّ، ويكفر عنادا ومنهم: من يشكّ في الحقّ ويقال له: عمي أيضا. فبين العمه والعمى عموم وخصوص مطلق، يجتمعان في طمس القلب، وينفرد العمى بفقد البصر.