للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

محمَّد - صلى الله عليه وسلم - إن شئت {أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} إن شئت، وهذا كلام خرج مخرج الأمر، ومعناه: الخبر، تقديره استغفارك لهم وعدمه سواء، وتصويره بصورة الأمر للمبالغة في بيان استوائهما.

والحاصل: أن هذا الأمر تخيير له - صلى الله عليه وسلم - في الاستغفار وتركه، ومعناه: إخبار باستواء الأمرين؛ أي: إن شئت فاستغفر لهم، وإن شئت فلا تستغفر لهم، فاستغفارك لهم وعدمه سواء، وقوله: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} بيانٌ لاستحالة المغفرة لهم بعد المبالغة في الاستغفار، إثر بيان الاستواء بينه وبين عدمه، ذكره أبو السعود، ومعنى قوله: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ}؛ أي: إن (١) تدع لهؤلاء المنافقين وتسأل الله أن يستر عليهم ذنوبهم بالعفو عنها وترك فضيحتهم بها، أو لا تدع لهم بالمغفرة فلن يغفر الله لهم؛ أي لن يستر الله عليهم، ولن يعفو عنهم، ولكنه يفضحهم على رؤوس الأشهاد يوم القيامة، وليس المراد من هذا أنه لو زاد على السبعين لكان ذلك مقبولًا كما في سائر مفاهيم الأعداد، بل المراد بهذا المبالغة في عدم القبول، فقد كانت العرب تجري ذلك مجرى المثل في كلامها عند إرادة التكثير، والمعنى أنه لن يغفر الله لهم، وإن استغفرت لهم استغفارًا بالغًا في الكثرة غاية المبالغ، ويراد بالسبعين في مثل هذا الأسلوب: الكثرة لا العدد المعين، فالمراد أنك مهما أكثرت من الاستغفار لهم .. فلن يستجاب لك فيهم، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يستغفر لهم رجاء أن يهديهم الله، فيتوب عليهم، ويغفر لهم، كما كان يدعو للمشركين كلما اشتد إيذاؤهم له، ويقول: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" رواه ابن ماجه، وقال الضحاك: ولما نزلت هذه الآية .. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله قد رخَّص لي، فسأزيدن على السبعين، لعل الله أن يغفر لهم"، فأنزل الله سبحانه {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ}.

وقد ذهب بعض الفقهاء (٢): إلى أن التقييد بهذا العدد المخصوص يفيد


(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.