للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يخالفها، كائنًا ما كان، ويدخل تحته دخولًا أوليًّا نصح عباده، ومحبة المجاهدين في سبيله، وبذل النصيحة لهم في أمر الجهاد، وترك المعاونة لأعدائهم بوجه من الوجوه، والقيام بمصالح بيوتهم، وإيصال الخير إلى أهاليهم، وإخلاص الإيمان والعمل لله تعالى، والاحتراز عن إفشاء الأراجيف وإثارة الفتن {و} نصحوا لـ {رسوله}. بتصديق رسالته، وقبول ما جاء به في كل ما يأمر به، أو ينهى عنه، وموالاة من والاه، ومعاداة من عاداه، ومحبته وتعظيم سننه، وإحيائها بعد موته بما تبلغ إليه القدرة، وقد ثبت في الحديث الصحيح، أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "الدين النصيحة" ثلاثًا، قالوا: لمن؟ قال: "الله ولكتابه ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم"، وقرأ أبو حيوة: {إذا نصحوا الله ورسوله} بنصب الجلالة وجملة قوله: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} بالقول والفعل {مِنْ سَبِيلٍ} مُقرِّرةُ لمضمون ما سبق؛ أي: ليس على المعذورين المخلصين الناصحين من سبيل؛ أي: طريق عقاب، ومؤاخذةٍ على تخلفه؛ أي: ليس على من أحسن، فنصح لله ولرسوله، في تخلفه عن الجهاد بعذر قد أباحه الشارع، طريق يتطرق عليه فيعاقب عليه، والمعنى: إنه سد بإحسانه طريق العقاب عن نفسه.

و {من} في قوله (١) {مِنْ سَبِيلٍ} مزيدة للتأكيد، وعلى هذا المعنى المذكور فيكون لفظ {الْمُحْسِنِينَ} موضوعًا موضع الضمير الراجع إلى المذكورين سابقًا، كأنه قال: ما عليهم من سبيل، ويحتمل أن يكون المراد ما على جنس المحسنين من سبيل، وهؤلاء المذكورون سابقًا من جملتهم، فتكون الجملة معللة.

ويستنبط من قوله (٢): {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} أنَّ كلَّ مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، مخلصًا من قلبه، ليس عليه سبيل في نفسه وماله، إلا ما أباحه الشرع بدليل منفصل، وجملة قوله: {وَاللَّهُ غَفُورٌ} لمن تخلف عن الجهاد بعذر ظاهر أباحه الشرع {رَحِيمٌ} بجميع عباده جملة تذييلية،


(١) الشوكاني.
(٢) الخازن.