يجد لهذا الخوف وجهًا، فلا يخاف الشركاء لذواتهم، ولا لما يزعمون من وساطتهم عند الله وشفاعتهم، ولا لقدرة على الضر والنفع قد تدعى لهما. وقوله:{مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا} مذكور على طريق التهكم مع الإعلام بأن الدين لا يقبل إلا بالحجة والبرهان، والتقليد ليس بعذر، ولا سيما تقليد من ليس على هداية ولا علم ولا بصيرة، والله لم ينزل بما ادعيتموه سلطانًا؛ لأنه باطل، فلا سلطان عليه ولا دليل.
والاستفهام في قوله:{فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ} استفهام استخبار وتقرير؛ أي: فأي هذين الفريقين أحق وأجدر بالأمن على نفسه من عاقبة عقيدته وعبادته. والمراد بالفريقين: فريق الموحدين: الذين يعبدون الله وحده ويخافونه ويرجونه دون غيره، وفريق المشركين: الذين استكبروا تأثير بعض الأسباب، فاتخذوا ما اتخذوا من الآلهة والأرباب، ونسبوا إلى بعضها النفع والضر؛ كالشمس والقمر والكواكب والملائكة، ونكتة التعبير بـ {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ} دون أن يقول: فأينا أحق بالأمن: الإشارة إلى أن هذه المقابلة عامة لكل موحد ومشرك، لا خاصة به وبهم، والبعد عن التصريح بخطئهم الذي ربما يدعو إلى اللجاج والعناد والاحتراس من تنفيرهم من الإصغاء إلى قوله، وإن كان قد علم قطعًا أنه هو الآمن لا هم، كما قال الشاعر:
أي: أينا، ومعلوم عنده أنه هو فارس الأحزاب لا المخاطب.
{إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}؛ أي: إن كنتم من أهل العلم والبصيرة في هذا الأمر .. فأخبروني بذاك وبيِّنوه بالأدلة. وفي هذا إلجاء لهم إلى الاعتراف بالحق، أو السكوت على الحمق والجهل.
والمعنى: أي (١) إذا كان الأمر على ما تقدم من أن معبودي هو الله المتصف بتلك الصفات، ومعبودكم هي تلك المخلوقات .. فكيف تخوفوني بها، وكيف