للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بعضها على سبيل التخصيص فقال: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ}؛ أي: استمروا (١) على الإيفاء بعهد الله سبحانه وتعالى، وعهد الله هو البيعة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الإِسلام، فإنها مبايعة لله تعالى لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} والمبايعة من جهة الرسول هو الوعد بالثواب، ومن جهة الآخر التزام طاعته، وسميت المعاهدة مبايعة تشبيهًا بالمعاوضة المالية، ثم هو عام لكل عهد يلتزمه الإنسان باختياره، لأن خصوص السبب لا ينافي عموم الحكم، {إِذَا عَاهَدْتُمْ}؛ أي: إذا عاقدتم بيعة الله وعهده مع الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وواثقتموه باليمين، والعهد: العقد والميثاق، {وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ}؛ أي: ولا تحنثوا الأيمان التي تحلفون بها عند المعاهدة؛ أي: لا تحنثوا في الحلف {بَعْدَ تَوْكِيدِهَا}؛ أي: بعد توثيقها وتشديدها وتغليظها بذكر اسمه تعالى، كما في "بحر العلوم"، وهذا القيد لموافقة الواقع، حيث كانوا يؤكدون أيمانهم في المعاهدة بما ذكر حينئذٍ، فلا مفهوم له، فلا يختص النهي عن النقض بحيالة التوكيد، بل نقض اليمين منهي عنه مطلقًا اهـ "أبو السعود"، أو يراد بالتوكيد القصد، ويكون احترازًا عن لغو اليمين، وهي الصادرة من غير قصد للحلف، وقال القرطبي: وإنما قال بعد توكيدها فرقًا بين اليمين المؤكدة بالعزم وبين لغو اليمين اهـ.

{وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا}؛ أي: والحال أنكم قد جعلتم الله سبحانه وتعالى شاهدًا ورقيبًا عليكم، لأن (٢) الكفيل مراعٍ لحال المكفول به مهيمن عليه، فإن (٣) حلف باللهِ فقد جعل الله كفيلًا بالوفاء بسبب ذلك الحلف؛ أي: لا تنقضوا الأيمان وقد قلتم الله شاهدٌ علينا بالوفاء، {إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} من النقض والوفاء، فيجازيكم على ذلك، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر، وفي هذا ترغيب وترهيب، والمعنى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ}؛ أي: وأوفوا (٤) بميثاق الله إذا واثقتموه، وعقده إذا عاقدتموه، فأوجبتم به على أنفسكم حقًّا لمن عاقدتموه وواثقتموه عليه، ويدخل في ذلك كل


(١) روح البيان.
(٢) النسفي.
(٣) المراح.
(٤) المراغي.