للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم أكد الأمر السابق، وبالغ في إيجاب الامتثال به، والحمل عليه بالترغيب والترهيب بقوله: {فَإِنْ تَوَلَّوْا} خطاب للمأمورين، وأصله، فإن تتولوا، فحذف إحدى التاءين تخفيفًا؛ أي: فإن تتولوا وتعرضوا عن هذه الطاعة، إثر ما أمرتم بها، وجواب الشرط قوله: {فَإِنَّمَا عَلَيْهِ}؛ أي: فاعلموا إنما عليه - صلى الله عليه وسلم - {مَا حُمِّلَ}؛ أي: ما كلف، وأمر به من تبليغ الرسالة، وقد فعل {وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ}؛ أي: ما أمرتم به من الإجابة والطاعة. ولعل (١) التعبير هنا بالتحمل للإشعار بثقله، وكونه مؤونة وكلفة باقية في عهدتهم بعد، كأنه قيل: وحيث توليتم عن ذلك، فقد بقيتم تحت ذلك الحمل الثقيل، فهو وعيد لهم. وقيل: جواب الشرط محذوف، تقديره: فلا ضرر عليه. وقوله تعالى: {فَإِنَّمَا عَلَيْهِ ...} إلخ. تعليل لذا المحذوف.

والمعنى: أي فإن (٢) تتولوا عن الطاعة، بعد أن أمركم الرسول بها .. فما ضررتم الرسول بشيء، بل ضررتم أنفسكم؛ لأنه عليه ما أمر به، من تبليغ الرسالة، وقد فعل، وعليكم ما أمرتم به من الطاعة، فإن أنتم لم تفعلوا وتوليتم .. فقد عرضتم أنفسكم لسخط الله وعذابه، وإن أطعتموه .. فقد خرجتم من الضلال إلى الهدى، فالنفع والضرر عائدان إليكم.

{وَإِنْ تُطِيعُوهُ}؛ أي: وإن تطيعوا الرسول فيما أمركم به من الطاعة .. {تَهْتَدُوا} إلى الحق الذي هو المقصد الأسنى، الموصل إلى كل خير، والمنجي من كل شر. وتأخيره (٣) عن بيان حكم التولي، لما في تقديم الترهيب من تأكيد الترغيب وجملة قوله: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ} محمد - صلى الله عليه وسلم -. ويبعد أن يحمل على الجنس، كما في "الشوكاني"؛ لأنه أعيد معرفًا. {إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} مقررة لما قبلها؛ أي: ما عليه إلا التبليغ الموضح لكل ما يحتاج إلى الإيضاح، وقد فعل، وإنما بقي ما حملتم، فإن أديتم فلكم، وإن توليتم فعليكم.

والمعنى: أي وإن تطيعوا الرسول فيما أمركم به ونهاكم عنه .. تهتدوا إلى


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.