للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

السلام، على أن لا يعبدوا إلا الله، ولا يشركوا به شيئًا، وعلى أن يعملوا بجميع ما في التوراة، وفيها شريعتهم التي اختارها لهم {وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ}؛ أي: اخترنا منهم على لسان موسى عليه السلام {اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا}؛ أي: رئيسًا بعدد أسباطهم، من كل سبط نقيب، وأرسلنا هؤلاء النقباء إلى الجبارين ليتجسسوا عن أحوالهم.

روي أنه لما نجا بنو إسرائيل واستقروا بمصر بعد هلاك فرعون .. أمرهم الله سبحانه وتعالى بالسير إلى بيت المقدس، وكان يسكنها الكنعانيون الجبابرة، وقال لهم: إني جعلتها لكم وطنًا ودار هجرة، فأخرجوا إليها وجاهدوا من كان فيها من الجبابرة، وإني ناصركم، وأمر موسى أن يأخذ من كل سبط نقيبًا يكون كفيلًا بالوفاء بتنفيذ ما أمروا به، فاختار النقباء وأخذ الميثاق على بني إسرائيل، وتكفل له به النقباء، وسار بهم، فلما دنا من الأرض المقدسة، بعث النقباء يتجسسون الأخبار، فرأوا أجسامًا قوية، وأجرامًا كبيرًا، وشوكة وقوة، فهابوهم ورجعوا، وحدثوا قومهم بما رأوا، وقد كان موسى نهاهم عن ذلك، فنكثوا الميثاق إلا نقيبين - كالبًا ويوشع - وهما اللذان قال الله فيهما: {قَالَ رَجُلَانِ مِنَ اَلَذِينَ يَخَافُونَ} الآية وسيأتي الكلام في ذلك بعد.

{وَقَالَ اللَّهُ} سبحانه وتعالى للنقباء على لسان موسى عليه السلام حين ذهبوا للتجسس {إِنِّي مَعَكُمْ} بالنصر والعون والحفظ من الجبابرة. وقيل (١) هو خطاب لعامة بني إسرائيل، والقول الأول أولى؛ لأنَّ الضمير يعود إلى أقرب مذكور، فكان عوده إلى النقباء أولى. ومعنى كونه معهم، أنَّه ناصرهم ومعينهم ما داموا محافظين على الميثاق، وهو راءٍ لأفعالهم، سميع لأقوالهم، عليم بضمائرهم، وقادر على مجازاتهم. ثم ابتدأ الكلام فقال مخاطبًا لعامة بني إسرائيل على لسان موسى عليه السلام وعزتي وجلالي {لَئِنْ أَقَمْتُمُ} وأديتم {الصَّلَاةَ} المفروضة عليكم على وجهها {وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ}؛ أي: وأعطيتم ما فرض عليكم من الصدقات التي تتزكى بها نفوسكم. {وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي} الذين أرسلتهم إليكم بعد موسى، كداود وسليمان وزكريا ويحيى وعيسى، ومحمد - صلى الله عليه وسلم -.


(١) الخازن.