للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}، وفي وصف أيوب كذلك، ولم يلزم من الأوابية الذنب، لأن بلاء أيوب، كان من قبيل الامتحان.

والمعنى: أي (١) إنا وجدنا أيوب صابرًا على ما أصابه في النفس والأهل والمال، من أذى، فجازيناه بما فرّج كربته وأذهب لوعته، وليس في الشكوى إلى الله إخلال بالصبر، وليس فيه شيء من الجزع، فهو كتمني العافية وطلب الشفاء، وقد روي أنه كان يقول كلما أصابته مصيبة: اللهم أنت أخذت وأنت أعطيت، وكان يقول في مناجاته: إلهي قد علمت أنه لم يخالف لساني قلبي، ولم يتبع قلبي بصري، ولم يلهني ما ملكت يميني، ولم آكل إلا ومعي يتيم، ولم أبت شبعان ولا كاسيًا ومعي جائع أو عريان.

فإن قلت (٢): كيف وصف الله تعالى أيوب عليه السلام بالصبر، مع أن الصبر ترك الشكوى من ألم البلوى، وهو قد شكا بقوله: {أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ}، وقوله: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ}؟.

قلت: الشكوى إلى الله تعالى لا ينافي الصبر، ولا تسمى جزعًا لما فيها من الجهاد والخضوع والعبودية لله تعالى، والافتقار إليه، ويؤيده قول يعقوب عليه السلام: {إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} مع قوله: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ}، وقولهم: الصبر ترك الشكوى؛ أي: إلى العباد، أو أنه عليه السلام، طلب الشفاء من الله تعالى، بعد ما لم يبق منه إلا قلبه ولسانه، خيفة على قومه، أن يفتنهم الشيطان، ويوسوس إليهم، أنه لو كان نبيًا لما ابتلي بما هو فيه، ولكشف الله ضره إذا دعاه.

ويروى: أن الله تعالى لما أذهب عن أيوب ما كان فيه من الأذى، أنزل عليه ثوبين أبيضين من السماء، فاتزر بأحدهما، وارتدى بالآخر، ثم مشى إلى منزله، فأقبلت سحابة، فسحت في أندر قمحه ذهبًا حتى امتلأ، وأقبلت سحابة


(١) المراغي.
(٢) فتح الرحمن.