للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تخيير، ولذلك عقّبه بقوله: {إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ}.

وخلاصة ذلك (١): أنّني في غنى عن متابعتكم، وإنني لا أبالي بكم، ولا بإيمانكم، وأمر ذلك إليكم، وبيد الله التوفيق، والخذلان، والهدى، والضلال، وهو لا ينتفع بإيمان المؤمنين، ولا يضره كفر الكافرين كما قال: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} وقرأ (٢) أبو السمال قعنب {وقل الحَقُّ} بفتح اللام، حيث وقع. قال أبو حاتم: وذلك رديء في العربية انتهى. وعنه أيضًا ضم اللام حيث وقع كأنّه إتباع لحركة القاف، وقرأ أيضًا الحقّ بالنصب، قال صاحب «اللّوامح» هو على صفة المصدر المقدر؛ لأنّ الفعل يدل على مصدره، وإن لم يذكر، فينصبه معرفة كنصبه إيّاه نكرة، والتقدير: وقل القول الحقّ، وقرأ الحسن، وعيسى الثقفي بكسر لامي الأمر.

ولما هدد السامعين بأن يختاروا لأنفسهم ما يجدونه غدًا عند الله، أتبعه بذكر الوعيد على الكفر والمعاصي، والوعد على الأعمال الصالحة، وبدأ بالأول فقال: {إِنَّا أَعْتَدْنا} راجع (٣) لقوله: {وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ} وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ} الخ راجع لقوله: {فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ} فهو لف ونشر مشوش؛ أي: إنّا أعددنا وهيأنا، {لِلظَّالِمِينَ}؛ أي: للكافرين {نارًا أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها}؛ أي: نارًا عظيمةً عجيبةً، أحاط بهم سورها، وجدرانها، وفسطاطها، فلا مخلص لهم منها؛ أي: إنا قد أعددنا لمن ظلم نفسه، وأنف من قبول الحق، ولم يؤمن بما جاء به الرسول نارًا، يحيط بهم لهيبها، المستعر من كل جانب، كما يحيط السّرادق والفسطاط بمن حل فيه، فلا مخلص منه، ولا ملجأ إلى غيره، وإيثار صيغة الماضي للدلالة على التحقّق، {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا} من العطش؛ أي: وإن يستغث هؤلاء الظالمون يوم القيامة، وهم في النار، فيطلبوا الماء لشدة ما هم فيه من العطش لحر جهنم، كما قال في سورة الأعراف حكاية عنهم: {أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} {يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ}، أي: كدري


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) الفتوحات.