عمله، وفي ذلك تنبيه على أن العبرةَ في النجاة من العذاب والفوز بحسن الثواب إنما تكون لإحسان العمل، والإخلاص فيه.
ومنها: أن الذكر والأنثى متساويان عند الله في الجزاء متى تساويَا في العمل، حتى لا يغتر الرجل بقوته، ورياسته على المرأة، فيظن أنه أقربُ إلى الله منها.
ومنها: أن الله قد بين علة هذه المساواة بقوله: بعضكم من بعض، فالرجل مولود من المرأة، والمرأة مولودة من الرجل، فلا فرق بينهما في البشرية، ولا تفاضل إلا بالأعمال.
ومنها: أنها رفعَتْ قَدْر النساء المسلمات في أنفسهن، وعند الرجال المسلمين.
ومنها: أن هذا التشريع قد أصلح معاملةَ الرجل للمرأة، واعترَفَ لها بالكرامة، وأنكرَ تلك المعاملةَ القاسيةَ التي كانت تعاملها بها بعض الأمم، فقد كان بعضها يعدها كالبهيمة المسخرة لمصلحة الرجل، وبعضُها يعدها غير أهل للتكاليف الدينية؛ إذ زعموا أنه ليس لها روح خالد، فما زعمه الإفرنج من أنهم السباقون إلى الاعتراف بكرامة المرأة، ومساواتها للرجل؛ ليس مبنيًّا على أساس صحيح، فالإِسلام هو الذي سبق كل الشرائع في هذا، ولا تزال شرائعهم الدينيةُ، والمدنية يتميز الرجل من المرأة، نعم إن المسلمين قصروا في تعليم النساء، وتربيتهن، لكن هذا لا يصلح حجةً على الدين نفسه.
ومنها: أن ما يفضل به الرجالُ النساء من العلم والعقل، وما يقومون به من الأعمال الدنيوية التي جرى عرف المجتمع على إسنادها إلى الرجال، وجعل حظ الرجل في الإرث مثلَ حظ الانثيين؛ لأنه يتحمل نفقة امرأته؛ فلا دخل لشيء منه في التفاضل عند الله بثواب ولا عقاب.
ثم فصل الله سبحانه وتعالى العملَ الذي أجمله في قوله:{أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ} بقوله: {فَالَّذِينَ هَاجَرُوا} وارتحلوا معه - صلى الله عليه وسلم - أو بعده من مكة إلى